لماذا تقدمت تونس وتراجعت مصر؟

نشر في 18-10-2015
آخر تحديث 18-10-2015 | 00:01
 ياسر عبد العزيز تبدو تونس على الطريق الصحيح في الانتقال الديمقراطي بعد انتفاضة «الياسمين»، في حين تعاني مصر المشكلات الاقتصادية والسياسية والشكوك وتواجه العثرات والانتقادات، وثمة أسباب منحت تونس وضعاً إيجابياً في هذه المرحلة مقارنة بما جرى في مصر.

كانت تونس تحتفل في الأسبوع الماضي بتكريمها عالمياً، عبر منح أربع من هيئاتها غير الحكومية جائزة "نوبل" للسلام، بسبب قدرتها على صنع السلم المجتمعي ضمن الإطار الديمقراطي، في حين كانت مصر تتعثر في ملفات حقوقية واقتصادية وظلال من الشكوك حول ديمقراطية المسار الذي تنتهجه بعد انتفاضتي "يناير 2011" و"يونيو 2013".

ينظر المجتمع الدولي راهناً إلى التجربة التونسية بتقدير كبير، بل إن بعض الدول والمنظمات ووسائل الإعلام الكبرى تجد في الانتقال الديمقراطي التونسي مصدراً للإلهام من جانب، ودليلاً على نجاعة برامج دعم الديمقراطية التي يتبناها العالم الغربي من جانب آخر.

لا يمكن القول إن تونس أصبحت ديمقراطية راسخة مكتملة الأركان بطبيعة الحال، فثمة الكثير من التحديات التي تواجه الانتقال الديمقراطي في هذا البلد، كما أن شكوكاً تثور في ما إذا كانت النخب القديمة التي ساهمت في الحكم في عهد بن علي قد ابتعدت عن المسار الجديد، ويرى البعض أنها، على العكس من ذلك، تعود لتقود مجدداً.

لكن في مقابل ذلك، استطاعت تونس أن تحتوي الطموح الإسلامي الممثل في حركة "النهضة" وحزبها، وأن تدمج "الإخوان" في العملية السياسية، وأن تضعهم على المحك الانتخابي، فيخسرون الانتخابات، دون أن يمتنعوا عن المشاركة، ويشعرون بالضيق دون أن ينقلبوا على العملية السياسية أو يشوهوها أو يخرجوا منها، أو يعودوا إلى العمل تحت الأرض.

كما استكملت تونس سلطاتها الدستورية من برلمان ورئاسة وحكومة، وبلورت سياسة واضحة لمواجهة التحدي الإرهابي، واحتوت الأزمات الاقتصادية التي خلفتها سنوات الاضطرابات، وحافظت على سياسات دولية وإقليمية متوازنة.

أما مصر؛ فإن التقدم المحسوس الذي حققته في ملفات عديدة ما زال محل تشكيك من بعض الجهات، خصوصاً عندما يأتي الحديث عن الجوانب الحقوقية.

فرغم أن مصر استطاعت أن تجري انتخابات رئاسية شهدت معظم المنظمات الدولية بنزاهتها، وأن تقر تعديلات دستورية في أجواء شفافة، وأن تدعو إلى انتخابات برلمانية، سيبدأ التصويت داخلياً فيها اليوم، فإن شكوكاً تحيط بمسارها الديمقراطي.

ترى بعض الدول الإقليمية وبعض المنظمات الدولية أن الأوضاع في مصر تأخذ مساراً استبدادياً، وتعتبر وسائل إعلام دولية نافذة أن النظام الراهن في مصر ليس سوى نتيجة "انقلاب عسكري" على حكومة ورئاسة وبرلمان منتخبين بشكل ديمقراطي.

وفي غضون ذلك، توجه انتقادات كبيرة للملف الحقوقي المصري، ويتم التنديد بالموقف الرسمي من قضايا مثل "فض تجمعي رابعة والنهضة"، وتشيع الاتهامات بخصوص ملفات "الاختفاء القسري"، و"التوسع في أحكام الإعدام"، و"زيادة مدد الحبس الاحتياطي"، و"الهيمنة على المجال الإعلامي"، و"تضييق هامش الحريات في المجال العام"، و"دور الجيش في السياسة العامة".

وببساطة شديدة؛ فإن تونس تبدو في موضع تكريم وتقدير كمصدر للإلهام وقصة للنجاح، في الانتقال الديمقراطي بعد انتفاضة "الياسمين"، في مقابل مصر التي ما زالت تراوح ضمن حيز الشكوك والانتقادات، وتعاني المشكلات الاقتصادية والسياسية، وتواجه  التحدي الإرهابي، بعد انتفاضتي "يناير" و"يونيو".

وهنا يثور السؤال: لماذا تبدو تونس على الطريق الصحيح فيما تعاني مصر الشكوك وتواجه العثرات والانتقادات؟

ثمة عديد من الأسباب التي منحت تونس وضعاً إيجابياً في مرحلة الانتقال الديمقراطي مقارنة بما جرى في مصر؛ أول هذه الأسباب يتصل بطبيعة الشعب التونسي نفسه، ودرجة التعليم التي يتمتع بها.

هناك نسبة أمية كبيرة بين المصريين، يصاحبها بالطبع انخفاض في الوعيين السياسي والعام، وهو أمر غير موجود في تونس، ويتصل هذا العنصر بالضرورة بدرجة التنمية البشرية، والتعليم، وبالتالي الوضع الاقتصادي.

إن عدد سكان تونس، وطبيعة الأنشطة الاقتصادية فيها، يمنحانها أفضلية لتحقيق الانتقال الديمقراطي، مقارنة بأوضاع يسود الفقر فيها كما هو حادث في مصر.

يلعب المجتمع المدني القوي في تونس دوراً فارقاً وجوهرياً في صناعة التغيير على أسس تشاركية صلبة وقابلة للاستدامة؛ ولذلك لم يكن مستغرباً أن تفوز بجائزة "نوبل" أربع من هيئات المجتمع المدني التونسي؛ وهي الاتحاد العام التونسي للشغل، والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية، ورابطة حقوق الإنسان التونسية، والهيئة الوطنية للمحامين.

ورغم أن مصر عرفت المجتمع المدني مبكراً جداً، وتمتلك عشرات آلاف المنظمات الأهلية، فإن المجتمع المدني فيها يعاني الهشاشة والتدخلات الأمنية، ولا يمتلك القدرة على العمل الجماعي المنظم.

لا يمكن إنكار أن تونس كانت موضعاً للتجاذب السياسي الإقليمي والدولي خلال فترات تحولها الديمقراطي، وأن دولاً حاولت أن تؤثر في مسار الأحداث في هذا البلد، عبر ضخ المال والحركة الدبلوماسية والسياسية، لكن تلك التدخلات كانت محدودة، وغير حاسمة.

وفي مقابل ذلك، وبسبب وضع مصر المحوري في المنطقة، وإمكاناتها التأثيرية في السياسة الإقليمية، فقد كان الاستثمار السياسي والمالي الإقليمي والدولي كبيراً في الواقع المصري، ولعبت قوى إقليمية ودولية أدواراً حاسمة في مسار التغيير في مصر، وبعض هذه الأدوار أجج الصراع والاستقطاب، وحجّم المطالبات الديمقراطية، في ظل بروز تهديدات الهيمنة الخارجية والتحدي الإرهابي والمخاوف من استفحال النفوذ الخارجي وسيطرته على القرار السياسي والاقتصادي الوطني.

إن تراجع طموح الجيش التونسي السياسي، ومحدودية كتلته الحيوية مقارنة ببقية المؤسسات التونسية، وتركيزه على مهامه الدفاعية، كلها عوامل أبعدته عن الدخول في معترك السياسة، في مقابل الدور المركزي المؤثر تاريخياً للمؤسسة العسكرية المصرية، واستدعاء الجمهور لها في أوقات عديدة، بداعي الثقة الكبيرة بوطنيتها وقدرتها على فرض الأمن.

كل تلك الأسباب عززت الثقة بالمسار الانتقالي التونسي، في مقابل تزعزع اليقين في المسار الذي تتخذه مصر، لكن أهم تلك الأسباب على الإطلاق يتعلق بأداء "إسلاميي تونس" في مقابل أداء نظرائهم في مصر.

فقد كان أداء "إسلاميي" تونس أكثر رشداً وتوازناً من أداء "إخوان" مصر، الذين أظهروا تغولاً وانتهازية وسلطوية وقصر نظر وتفضيلاً لمصلحة "الجماعة" على المصلحة الوطنية.

لهذه الأسباب استطاعت تونس أن تخطو إلى الأمام في ثبات، والأمل أن تنجح مصر في تعويض ما فاتها على طريق الانتقال الديمقراطي.

* كاتب مصري

back to top