انتظر الجندي اللبناني جورج الخوري 16 شهراً ليتمكن من العودة إلى كنف عائلته واللهو مع طفليه مايكل واندرو الذي ولد فيما كان هو والعديد من رفاقه العسكريين مخطوفين لدى جبهة النصرة، يساورهم القلق والخوف من المجهول.

Ad

ويقول خوري (30 عاماً) وهو يتوسط والدته وزوجته ماري وطفليه مايكل (4 سنوات) وأندرو (سنة) داخل منزله في بلدة القبيات في شمال لبنان لوكالة فرانس برس "يا ألله كم انتظرت أن أرى ابني مايكل"، وأضاف أنه حين رآه للمرة الأولى بعد خطفه "لم أعرفه فقالوا لي أنظر جيداً وعندها عرفت ابني وبدأت البكاء".

ويشير إلى أن الابتعاد عن طفليه كان التجربة "الأكثر صعوبة" خصوصاً أن زوجته كانت حاملاً باندرو لدى خطفه، وعندما ولد لم يكن أول من حمل طفله وبقرب زوجته، يصمت لثوان قبل أن تسارع ماري إلى القول مبتسمة ومواسية "الحمدلله حياتي مليئة بالفرح الآن".

خوري الرقيب في الجيش اللبناني هو أحد العسكريين الـ 16 الذين أفرجت عنهم جبهة النصرة (ذراع تنظيم القاعدة في سورية) بموجب صفقة تبادل شملت إطلاق السلطات اللبنانية والسورية سراح عدد من المساجين بوساطة قطرية وتسليم الخاطفين مساعدات إغاثية.

وفي الثاني من أغسطس 2014، وقعت معارك عنيفة بين الجيش اللبناني ومسلحين قدموا من سورية ومن داخل مخيمات للاجئين في بلدة عرسال (شرق) الحدودية مع سورية استمرت أياماً.

وقد انتهت بإخراج المسلحين من البلدة لكنهم اقتادوا معهم 29 من عناصر الجيش وقوى الأمن الداخلي، قتل الخاطفون أربعة منهم، ولا يزال تسعة عناصر مخطوفين لدى تنظيم الدولة الإسلامية ولا يعرف عنهم شيئ.

ولم يكن خوري أثناء هذه المواجهات يشارك في القتال نظراً لطبيعة عمله الإداري، موضحاً أنه تم نقله إلى عرسال العام الماضي بشكل مفاجئ بعد خدمته منذ 2005 في أحد المستشفيات العسكرية.

ويُضيف بعد أن يشعل سيجارة ينفث دخانها عالياً "في الثاني من أغسطس وبينما كنا نحتسي القهوة مع قائد كتيبتنا في عرسال استشهد الرقيب يحيى الديراني برصاصة قنص وبدأت المعركة".

يستعيد خوري بأسى ما حدث في عرسال في تلك اللحظة، ويقول فيما والدته تصغي وملامح الخوف على وجهها "أتى إلي أحد الجنود وقد خرقت رصاصة أحشاءه قائلاً لا أريد أن أموت، أريد العودة إلى أولادي".

ويروي كيف أن جندياً آخر أُصيب أمام أعينه برصاصة في رأسه عندما كان يحاول تأمين الغطاء الناري ليتمكن رفاقه من التحرك من المكان الذي كانوا محاصرين فيه مع تقدم المسلحين.

حصار

بعدها بدقائق، وجد خوري نفسه محاصراً من قبل المسلحين الذين "كانوا مقنعين ومدججين بالسلاح"، ويقول "أذكر أن عشرين منهم على الأقل التفوا حولي وتعهد أحدهم بألا يقتلني إذا سلمت نفسي".

ويُشير إلى أن أحد المسلحين سارع إلى أخذ هاتفه الخلوي منه قبل أن يصار إلى نقله من مقره ووضعه مع آخرين داخل شاحنة صغيرة نقلتهم إلى أحد المساجد في عرسال.

ويضيف "داسونا بأرجلهم وشتمونا وأهانونا ولكنني لحسن حظي لم أتعرض للضرب".

ظن العسكريون المخطوفون حينها أن محنتهم لن تدوم طويلاً، ولكن مع اشتداد حدة المعارك، أبلغهم المسلحون بأنه سيتم نقلهم إلى "مكان آمن" تبين أنه عبارة عن مغارة، لتبدأ بعدها مشقة التنقل بين الكهوف حيث استقر ورفاقه لمدة 16 شهراً.

ولم تكن الأسابيع الأولى سهلة على المخطوفين الذين أمضوا أياماً طويلة وسط الظلام ومعصوبي الأعين لساعات إلا حين تناولهم الطعام أو قضاء حاجاتهم، بحسب خوري.

وللحفاظ على معنوياتهم مرتفعة، كانوا يقضون وقتهم في التحدث عن عائلاتهم، آملين بالعودة إلى منازلهم.

خلال فترة الخطف، تعددت طرق التعامل مع العسكريين، يقول خوري أن بعض حراسهم كانوا يتحدثون معهم أحياناً ويسمحون لهم بالتجول في الخارج وكانوا يستمعون منهم إلى دروس في الشريعة الإسلامية، وعلى الرغم من كونه مسيحياً، يُشير خوري إلى أنه لم يتعرض لأي ضغط ليتحول إلى الإسلام.

لكن مجموعة أخرى من الخاطفين كانت تلجأ إلى تكتيكات نفسية مختلفة، بحسب خوري، على غرار اطلاق المفرقعات النارية في الخارج لايهام العسكريين بأنهم معرضون لخطر الموت.

وبعد مرور أكثر من شهر على خطفهم، أعدمت جبهة النصرة الجندي محمد حمية، ويقول خوري "بكيت حينها لمدة يومين على التوالي"، مضيفاً أنه بعد ذلك تم فصل الجندي علي البزال، المنتمي وحمية إلى الطائفة الشيعية، عن المجموعة ونقله إلى سجن انفرادي حيث عانى طيلة أسابيع عدة من العزلة وسوء التغذية قبل أن يتم إعدامه أيضاً.

أمل

وعلى رغم حالة الاحباط والخيبات التي عاشها العسكريون مع تعثر جولات تفاوض عدة لإطراق سراحهم وطول مدة احتجازهم، لم يفقدوا الأمل بالعودة إلى عائلاتهم واستعادة حياتهم الطبيعية.

ويوضح خوري أنه تبلغ ورفاقه الأسبوع الماضي بوجود صفقة للافراج عنهم وسمح لهم الخاطفون بالاستحمام وارتداء ثياب نظيفة والاستعداد للمغادرة.

ولدى وصولهم إلى نقطة محددة في جرود بلدة عرسال، قبل اجراء عملية التبادل الثلاثاء، أبلغوا بتعثر المفاوضات مجدداً، وأشار خوري إلى أنه بدا يرتجف من شدة القلق وانصرف إلى الصلاة خوفاً من تلاشي حلمه بالعودة.

وبعدها بقليل، تم نقله مع عدد من رفاقه إلى سيارة اسعاف للصليب الأحمر تولت ايصالهم إلى حاجز للجيش اللبناني.

وقبل وصوله إلى حاجز الجيش، أجرى خوري اتصالاً بوالدته من هاتف خلوي كان بحوزة أحد أفراد طاقم سيارة الإسعاف، ويضيف "قلت لها +أمي أنا جورج+ فأجابتني +جورج من+ قلت لها أنا ابنك وبدأت تصرخ من الفرح".