«باب الليل» باب الوجع التونسي الفلسطيني
![طالب الرفاعي](/theme_aljarida/images/authorDefault.png)
بمثل هذه الصيغة يشرك الكاتب وحيد الطويلة القارئ في نصه، ويأخذه معه في رحلة منعرجات الرواية الممتعة. حوادث الرواية تدور في سبعة مقاهٍ تونسية وأحد المقاهي المصرية، والرواية إذ تتخذ من أجواء المقاهي عالماً روائياً خالصاً لها، فإنه قد يبدو للقارئ للوهلة الأولى أن ذلك ينطوي على وصل الجسد بين المرأة والرجل، لكن تمعناً أعمق في عالم الرواية يكشف بشكل واضح أنها تستحضر القضية الفلسطينية وما آلت إليه في اللب من حكايتها. وشخصية فؤاد أبو شندي، تجسيد ناطق لحالة الفلسطيني الذي وهب حياته للنضال، متنقلاً بين مختلف دول العالم مخلصاً لقضيته ومنخرطاً في مهام قد تأخذه للموت أو الاعتقال في أي لحظة، لينتهي مسجوناً في تونس بعد أن رُحّل من بيروت، وحكم عليه بأن يبقى أسير الذكريات، وأسير حلم قد يستطيع من خلاله العودة ولو إلى أي دولة عربية قريبة من فلسطين كأن تكون لبنان أو الأردن، "حين تفقد أهلك ووطنك، وأنت صبي أو شاب ستبحث عنهما في ثقب الإبرة... وحين تفقد أوطانك الأصلية، ولم تعد قادراً على اللعب في الأوطان والأحضان الاحتياطية لا يتبقى لك سوى الجنون، حتى الجنون أحياناً يخونك ويخلف موعده لتبدو أضحوكة أمام نفسك. (ص212).الرواية تقدم كشفاً لحياة المجتمع التونسي بشكل غير مباشر، وذلك من خلال استعراض حياة المقاهي الليلية، وكيف أن حياة فتيات الليل التونسيات ومغامراتهن إنما تمثل وجهاً آخر لحياة المجتمع التونسي تحت سطوة حكم الرئيس "بن علي"، وأن رجال الأمن والمخبرين بقدر وجودهم وإخلاصهم للنظام خلال النهار في مهام أعمالهم، فإن وجودهم الليلي بقرب فتيات الليل لا يقل أهمية عن ذلك، فحياة بنات الليل هي في اللب من حياتهم، وصاحبة أي مقهى ليلي لا يمكنها ضمان انتعاش حياة المقهى بعيداً عن وجود رجال السلطة وخدماتهم السخية لفتياتها.أبرع الكاتب في تصوير حياة فتيات الرواية، وبطريقة تجعل كل واحدة متفردة في عالمها، مع توقف لافت أمام ثنايا الجسد الأنثوي بإغراءاته المتفجرة، وكيف يمكن لهذا الجسد أن يكون بضاعة تسيل لها لعاب الباحثين عن المتعة العابرة، سواء كانوا تونسيين أو عرباً أو أجانب، وكيف تسعى كل فتاة الى تأمين مستقبلها عبر علاقة ترى أنها المنقذ لها.إن أكثر ما يلفت النظر في الرواية هو قدرتها على الحركة في حيز مكاني ضيق/المقهى الليلي، كمكان لحظي، وتجسيد عالم مترام عبر ذلك، إضافة إلى أن تنقل الكاتب بين صيغ الضمائر الروائية الأجمل، ضمير المخاطب وضمير المتكلم، جعل من الرواية عملاً قريباً من قلب القارئ.