ما العمل معهم؟
هل يردد أصحاب القرار السياسي اليوم مقولة "راحت السكرة وجاءت الفكرة" أم يغطون في حالة الغيبوبة عن واقع العشرين دولاراً تقريباً لبرميل النفط، وبالتالي فهم مازالوا في عالم "اليوم خمر وغداً أمر"، وخمر اليوم هو صناديق الاستثمارات الخارجية التي تحترق الآن بلهيب السحب المستمر، ننفق منها اليوم على الرواتب ومصروفات الدولة من ضروريات، وأهمها ضرورة "التنفيع" وتوزيع العمولات على الدوائر الضيقة المحيطة بهم من جماعات "إن حبتك عيني..."، ولنترك الغد في علم الغيب؟!أعتقد بإيمان راسخ أن الجماعة مازالوا غير مستوعبين حجم كارثة سعر البرميل، ولا يملكون الشجاعة ولا الشفافية لمصارحة الناس بحقيقة "مأساة" اليوم، هي ليست مأساة اقتصادية وإنما مأساة العجز السياسي عن قراءة الواقع، هي مأساة تواكل وتسويف عن المواجهة، وبالتالي هم على قناعة "خل القرعة ترعى"، وطالما هناك ضمانات مالية وأرصدة ضخمة خاصة بهم في الخارج، توفر لهم ولأجيالهم عقوداً من البحبوحة المالية، فلماذا يشغلون حالهم بتدبر أزمة الاقتصاد الآن، وما شأنهم بما سيحدث "للحبربش"، الحبربش هم نحن، الذين لا نملك حولاً ولا قوة في ما يحدث، وفوضنا أمرنا غصباً عنا لهم، حتى زجوا بنا وبالدولة في عالم المجهول.
في عام 2012، أي قبل تهاوي سعر برميل النفط، حذر صندوق النقد من عجر محقق قادم في عام 2017 إذا استمر الهدر المالي (شكل متطور للفساد) على حاله، ماذا فعل حصفاء السياسة منذ ثلاث سنوات وحتى الآن؟! لا شيء... والآن بسعر البرميل الحالي، كم بقي من عمر الدولة؟ وكيف ستسددون الرواتب بدولة الوظيفة العامة بغير طباعة المزيد من النقود.لا جدوى الآن من الكلام عن حلم تنويع مصادر الدخل (الكويت هي الأسوأ من بين بقية دول الخليج بسبب الصراعات بين المجلسين)، ولا فائدة من الحديث عن التعليم والاستثمار فيه، وتوجيهه نحو حاجات الدولة، فمثل هذا الكلام متأخر جداً، فلم يكن هناك من ينصت لمثل هذا الكلام في السابق، سواء في أزمة تدهور سعر النفط في 98 أو في 2008 أو قبل هذين التاريخين في النصف الثاني من الثمانينيات، كان الجماعة يراهنون على صدفة تغير ظروف العرض والطلب، مثلما يبدو أنهم الآن يراهنون على صدف قادمة لا أحد يعرفها، رغم أن ظروف الماضي تغيرت، فالولايات المتحدة الآن تصدر النفط بعد أن تأكدت من وفرة نفطها الصخري، والعالم المتقدم يتحدث بقوة عن أزمة المناخ والاحتباس الحراري، وبالتالي يبدو تقليص استهلاك سلعة النفط عالمياً حتمياً.ما العمل...؟ ليس مع الأزمة، وإنما مع اللاهين عنها وغير القادرين على فهمها؟!