مع اقتراب الدورة الثانية عشرة لمهرجان دبي السينمائي الدولي، التي تنطلق في التاسع من ديسمبر المقبل وتختتم في السادس عشر من الشهر نفسه، بدأت تلوح في الأفق نسائم طيبة تهُّبُ على أنفاسِنا فتخلصها من همُوم يومية تنغصنا، وأكدار حياتية تؤرق مضاجعنا، بعد أن أماطت إدارة المهرجان اللثام عن قائمة أولية للأفلام الروائية، وغير الروائية، والقصيرة التي اختيرت للمشاركة في مسابقتي «المهر الخليجي» و»المهر القصير».

Ad

 أهمية المسابقتين، في رأيي، كبيرة وعظيمة، فأفلام «المهر الخليجي»، التي ينفرد المهرجان في الغالب بعروضها العالمية الأولى، تكاد تكون النافذة الوحيدة التي أطل من خلالها على سينما شبت عن الطوق، ومواهب واعدة نضجت قبل الأوان، والأهم أنها تروي ظمأي، وتُشبع فضولاً يقتلني، للاقتراب من واقع لا أكاد أعرفه، وبشر لا تتصدر أخبارهم أو صورهم الصفحات الأولى للصحف والمجلات وتكاد تتوارى عن شاشات الفضائيات!

 فأين لي، أو لغيري، من مشاهدة فيلم، في عرضه العالمي الأول، يحمل عنوان «رئيس» أخرجه العراقي رزكار حسين، الذي سبق له الفوز بجائزتي أفضل فيلم قصير، وأفضل سيناريو في دورة العام 2012 من «مهرجان الخليج السينمائي» عن فيلمه «بايسيكل»، ويحكي في فيلمه الجديد قصة جماعة من الشباب أطلقت على نفسها اسم «مجموعة النمر»، وفي محاولتها للبحث عن طرق جديدة للترفيه، ما بين لعب كرة القدم والسباحة، تقرّر اختيار رئيس لها لكنه سرعان ما يتحوّل إلى «ديكتاتور»!

وكيف يتأتى لي أن أعثر على فرصة ثمينة، كالتي يوفرها المهرجان لمشاهدة فيلم عراقي آخر، في عرضه الدولي الأول، عنوانه «أطلق يديّ» يغوص مخرجه علاء محسن، صاحب الفيلم الوثائقي «طفل العراق»، في حياة «حيدر» (42 عاماً)،  الذي تعرض للاعتقال إبان التمرد الذي حدث في العراق العام 1991، ورغم ماضيه البائس إلا أن التفاؤل يملأه بأن مستقبل الأبناء سيكون أفضل في وطنهم الجديد «الدنمارك» !

إنها السخرية اللاذعة، وبالطبع الكوميديا السوداء، التي تجد لنفسها مكاناً في أفلام الشباب الخليجي جنباً إلى جنب مع الموضوعات الإنسانية التي تغطي مناحي الواقع اليومي، كما نرى مع المخرجة البحرينية إيفا داود، التي تتناول في فيلمها «سارق النور» إشكالية الحبّ حين يُسرق جوهره، وأحوال القلوب التي سُرقت منها روح الحب، بينما تروي المخرجة السعودية مرام طيبة في فيلمها «مُنُكير»، في عرضه العالمي الأول، قصة زوجين غير سعيدين، يعيشان في مدينة جدة، في سبعينيات القرن الماضي، وفي حين تسعى الزوجة الشابة للتقرب من زوجها الذي يبدو منشغلاً عنها باستمرار ما يجعلها تخطط للسفر إلى القاهرة، وهناك تضطر إلى اتخاذ القرار الصعب، ومن السعودية أيضاً يظهر المخرج عبد الرحمن خوج، الذي يُشارك في المهرجان للمرة الأولى، من خلال فيلم «أنا أكون»، الذي يشهد المهرجان عرضه العالمي الأول، ويروي قصة آدم في رحلته لاكتشاف ذاته، وفي محاولته لفهم سرّ الكمال فيما يقترب المخرج السعودي محمد الهليل في فيلمه «ماطور»، ويُعرض للمرة الأولى عالمياً، من رجل وحيد في منتصف العمر، يعيش منعزلاً، ودائم التنقل بدراجته النارية، غير أن عطلاً أصاب الدراجة أجبره على مخالطة الناس، الذين حاول طوال حياته الابتعاد عنهم، ومن السعودية أيضاً يعرض المخرج سمير عارف فيلمه «جنة الأرض»، للمرة الأولى عالمياً، ليستعرض من خلاله مجموعة من الفتيان والفتيات السعوديين يخططون للاحتفال بالعام الجديد، وقضاء وقت ممتع بصحبة بعضهم البعض، في البحرين، لكن تأخذ الرحلة مساراً مختلفاً عندما تقود إلى الكشف عن حقيقة وأولويات كل شخص منهم!

من جانبها، تهتم المخرجة العراقية سما وهّام في فيلمها «غنّيلي»، الذي يُعرض لأول مرة عالمياً، بالبحث عن الهوية، والتواصل مع جذور، الأقلية «الأزيدية» المهددة في العراق، عبر تاريخ عائلة «أزيدية» ترسم من خلالها قصيدة سينمائية عن وطن مزقته الدكتاتورية والحروب، وانتشرت فيه ثقافة العنف والتطرف الديني والطائفي بينما يرصد المخرج والمنتج والممثل العراقي سوران إبراهيم في فيلمه الجديد «صمت النمل»، الذي يُعرض للمرة الأولى عالمياً، ثلاث شخصيات مركزية، يناقش من خلالها قضية الحياة والموت، ودوافع الأشخاص الذين يعيشون حياتهم كما يريدون.

المُدهش أن المهرجان يُعلن، على لسان مديره الفني مسعود أمر الله آل علي، أنها الدفعة الأولى من الأفلام، وهو ما يعني أن المفاجآت والجواهر ما زالت واردة في مسابقة «المهر الخليجي»، وأن المهرجان، حسب مديره، «يواصل تقديم الأفلام الخليجية القصيرة، التي تتبنى نظرة فريدة ومقنعة على الحياة والمجتمع في منطقة الخليج العربي، جنباً إلى جنب مع إطلاق جيل جديد من السينمائيين، ممن يتحينون الفرصة لإظهار مواهبهم وإبداعاتهم»، بعدما نجح مهرجان دبي السينمائي الدولي في أن يتحوَّل إلى منصة سينمائية ذات شأن ومكانة تُضاهي أكبر مهرجانات السينما في العالم.