«غموض» واشنطن يعمّق الأخطار في المنطقة
الملفات الملتهبة تعيش على وقع الحالة «الانتظارية» الأميركية
لم تُثر الأحداث الأمنية، التي شهدها أكثر من بلد عربي في الآونة الأخيرة، الكثير من المخاوف أو ردود الفعل الاستثنائية من قبل واشنطن.فتوالت الإدانات من قبل المتحدثين باسم البيت الأبيض والخارجية الأميركية، في حين تولت وزارة الدفاع الحديث عن تقديم المساعدات الأمنية والمعدات العسكرية في مواجهة «الإرهاب».
غياب الحديث عن مبادرات سياسية حاسمة تضع حداً لحال الاهتراء، التي باتت تضرب عميقاً في مفاصل دول أساسية في المنطقة، يعكس إصرار واشنطن على المضي في سياساتها «الانتظارية» حتى انتهاء مفاوضاتها النووية مع إيران، حيث يتوقع أن تتوج المفاوضات الماراثونية بالإعلان عن «حدث تاريخي» طالما انتظرته واشنطن وطهران.أوساط دبلوماسية غربية وعربية تحذر من أن غياب المبادرة الأميركية في ملف الأزمة السورية، يتكرر في أكثر من ملف. في العراق عبر عدم حسم العلاقة مع حكومة بغداد، وإلزامها بتعزيز العلاقة مع المكونات العراقية الأخرى، وفي اليمن عبر تحويل ملفها إلى جرح نازف وإدارة غامضة للعلاقة مع التحالف الذي تقوده السعودية في هذا البلد.ويتكرر الأمر في ظل غموض الموقف الأميركي تجاه الطلب التركي بضرورة إقامة منطقة عازلة وحظر للطيران في شمال سورية، وصولاً إلى غياب الحوار السياسي المجدي والجدي مع القيادة المصرية لإقناعها بتغيير مسار العلاج الأمني الوحيد الجانب للعلاقة مع تيار الإخوان المسلمين. وتعتقد تلك الأوساط أن ازدهار الحديث عن تقسيم سورية، يعكس اقتناعاً أميركياً بأن الأطراف الإقليمية كلها تتجه إلى الغرق في وحول أزمات مصيرية وبنيوية لا تهدد مستقبل الكيان السوري وحده، بل كيانات دول الجوار القريب والبعيد على السواء.تضيف تلك الأوساط أنه في ظل هذه السياسات، لا يمكن التكهن بمآل التدخل التركي المتوقع في شمال سورية، بينما الكشف عن اتصالات إيرانية - إسرائيلية - سورية عبر الوسيط الروسي تمهيداً لإقامة «الدويلة العلوية»، يعبّد الطريق أمام وقائع جغرافية وسياسية، قد يكون من الصواب القول إنها ستصب في نهاية المطاف لمصلحة إسرائيل.تضخيم العامل «الكردي» في شمال سورية وتحويله فزاعة وجودية بالنسبة إلى أنقرة، قد يكون الممر الإلزامي لإعلان «دويلة العلويين»، في الوقت الذي تدفع فيه تركيا لافتتاح مسار التقسيم العملي في المنطقة من بوابة الحفاظ على مصالحها الأمنية والسياسية والجغرافية.إصرار إيران على سياساتها الإقليمية في ما تعتقده جائزة ترضية لها مقابل تخلّيها عن مغامرتها النووية، يعكس قصوراً لدى قادتها عن رؤية تداعيات تهاوي أحجار الدومينو في المنطقة، في حين هي تعتقد أنها تربح. «فاللاحصانة» التركية والسورية والعراقية والمشرقية عموماً، لن تكون طهران بمنأى عنها، في ظل تشابه المشهد وتشابكه مع عناصر الأزمات التي تشهدها المنطقة.ولعل التطورات الأمنية التي شهدتها مصر أخيراً عبر اغتيال النائب العام هشام بركات بتفجير سيارته في القاهرة، والهجوم الدامي على الجيش المصري في منطقة شمال سيناء، تضيف إلى المشهد الفوضوي عناصر أخرى، عبر السعي إلى إضعاف القوة العسكرية العربية الأكبر والأقوى الممثلة بالجيش المصري. ما يضع علامة استفهام كبيرة على قدرة مصر على قيادة القوة المشتركة التي اتفق القادة العرب على تشكيلها في قمتهم الأخيرة.وحده إطلاق الحوثيين سجناء «القاعدة» في مدينة تعز اليمنية شكل حافزاً للأميركيين على الاستنفار الأمني، الذي لن يتجاوز في أحسن الأحوال بضع غارات جوية إضافية، في حين أن التحديات التي تواجه دول شبه الجزيرة العربية كله تتعاظم في ظل إصرار لاعبين كثر على التلاعب بوحدتها المجتمعية، على ما جرى في الكويت الأسبوع الماضي وفي السعودية قبلها بأسابيع!