المجتمع المدني ومشروع الحكومة الجديد
معظم منظمات المجتمع المدني لدينا تراجع دورها المفترض في الدفاع عن مصالح أعضائها والقضايا الوطنية بشكل عام، وتحولت نتيجة لتراجعنا الديمقراطي إلى منظمات «نخبوية» من أجل الوجاهة والشهرة الإعلامية، والبحث عن المصالح الشخصية، وبعضها تحول إلى ما يشبه «ديوانية الأصدقاء».
للتراجع الديمقراطي في أي بلد مظاهر من ضمنها تقييد حريات الرأي والضمير، وإغلاق المجال السياسي والعام أمام الناس، فضلا عن تقييد الفضاء العمومي، وذلك من خلال فرض وصاية حكومية على منظمات المجتمع المدني، أي تحويلها إلى ما يشبه الأجهزة الحكومية، وهو الأمر الذي يتعارض مع طبيعة المجتمع المدني ودوره في المجتمع، حيث يطلق عليه أحيانا مسمى "القطاع الثالث" المستقل تماما عن أي سلطة أخرى، وذلك كي يتمكن من مراقبة أعمال السلطات العامة والقطاع الخاص أيضا، من أجل حماية مصالح أعضائه من جهة، وحماية المجتمع ككل من تبعات احتكار السُلطة وفسادها.أضف إلى ذلك أن قوة المجتمع المدني، ودرجة استقلاليته عن الحكومة، والحرية التي يتمتع بها تعتبر مؤشرات أساسية لقياس التطور المدني الديمقراطي لأي دولة، فدور الحكومة هنا لا يتعدى التنظيم العام وتسهيل تحقيق الأهداف. بمعنى آخر فإن منظمات المجتمع المدني إما أن تكون مستقلة بالكامل عن الحكومة وإلا فوجودها والعدم سواء، أما المنظمات الشكلية التي يُطلق عليها زوراً منظمات مجتمع مدني فهي مجرد أعباء إضافية على الميزانية العامة للدولة لا داعي لها، وهي، بالمناسبة، أي المنظمات الصوريّة، موجودة بكثرة في الدول الاستبدادية من أجل التباهي أمام العالم الخارجي من ناحية والالتزام بالاتفاقيات الدولية من ناحية أخرى. معظم منظمات المجتمع المدني لدينا تراجع بشكل مؤسف دورها المفترض في الدفاع عن مصالح أعضائها والقضايا الوطنية بشكل عام، وتحولت نتيجة لتراجعنا الديمقراطي إلى منظمات "نخبوية" من أجل الوجاهة، والشهرة الإعلامية، والبحث عن المصالح الشخصية، وبعضها تحول إلى ما يشبه "ديوانية الأصدقاء"، ليس ذلك فحسب بل إن بعض منظمات المجتمع المدني لدينا تخلت عن دورها المفترض وتحولت وكأنها أجهزة حكومية، إذ لا تتردد عن إعلان تأييدها المطلق لأي قرارات تتخذها الحكومة مهما تعارضت مع الدستور، أو قيدت الحريات العامة والشخصية وتعدت على حقوق أعضائها. لهذا فإنه لا جدال بأن منظمات المجتمع لدينا تحتاج إلى إصلاح جذري كي تستعيد دورها الطبيعي، لكن ذلك لا يمكن فصله، بأي حال من الأحوال، عن مشروع الإصلاح السياسي والديمقراطي المستحق من أجل بناء دولة مدنية ديمقراطية عادلة، فالمجتمع المدني لا ينشأ ولا يتطور إلا في البيئة المدنية الديمقراطية، أما مشروع الحكومة الجديد المتعلق بمنظمات المجتمع المدني فإنه يكتب شهادة وفاتها ويقضي على شيء اسمه مجتمع مدني.