تابعت بفرح خبر افتتاح مركز اليرموك الثقافي الذي تم في شهر سبتمبر الماضي، وكنت طوال فترة سفري أتابع خطوات تنفيذه عبر موقعه على "الإنستغرام"، الذي بين شكل وحجم وقيمة المركز الثقافي الجديد الذي يقام في منطقة سكنية خارج العاصمة والمناطق التجارية، مما يعني وجود مراكز ثقافية مهمة لأول مرة داخل المناطق السكنية، وذلك يبشر بوعي جديد بأهمية توزيع المراكز الثقافية وتمددها خارج المناطق التجارية، ففي أوروبا توجد مثل هذه المراكز الثقافية في كل محافظة وكل مدينة، وكل منطقة مهما صغرت يتوفر فيها مركز ثقافي يضم مسرحاً وسينما وقاعة للندوات والمحاضرات وغاليري إلى جانب أنشطة متعددة، حتى تنقل الثقافة إلى القاطنين خارج العاصمة والبعيدين عن احتفالاتها وأنشطتها.

Ad

هذا المركز يقع في منطقة اليرموك، وهي منطقة سكنية، وهذا أحد أسباب سعادتي به، فهو سيقرب لي كل ما أرغب في متابعته بدون أن أجاهد في الوصول إليه عبر الازدحامات الخانقة في طرق الكويت السريعة التي لم تعد سريعة إلا بالاسم، والتي غالباً ما تحرمني من الذهاب إلى ما أحب من أنشطة المواسم الفنية الثقافية.

والأمر الثاني يتعلق بقيمة وأهمية هذا المركز التابع لدار الآثار الإسلامية التي تعمل تحت مظلة المجلس الوطني للثقافة والآداب والفنون، وهي متحف من أرقى المتاحف الخليجية أنشئت لتضم القطع الفنية المتنوعة لمجموعة الصباح الأثرية التي أُعيرت لدولة الكويت، وفيها قطع تعتبر من كنوز العالم استُضيفت من متاحف متعددة عالمية خاصة ما يتعلق بالكنوز المغولية.

هذه الدار تعتبر بحق مصدراً للثقافة المتحفية ذات القيمة الحضارية الثقيلة التي تعنى بإعادة بناء الوعي الثقافي للمواطن في الكويت من خلال مواسمها المتعددة الأنشطة، وفعالياتها المتنوعة ما بين الموسيقى وعروض الأفلام المتميزة والمحاضرات العالمية، ولعل من أهم أدوارها هو قيامها بتقديم برامج تعليمية وتثقيفية من سن مبكرة جداً، مما يعكس دور الوعي الثقافي وأهميته في تأسيس الناشئة منذ الطفولة المبكرة.

العقل المدبر المدير والمشرف على هذه الدار وتوسعة أدوارها وتطور قيمتها ودورها الثقافي والحضاري هو سيدة الثقافة النخبوية الثقيلة الشيخة حصة صباح السالم، وهي وراء كل صغيرة وكبيرة في تطور هذه الدار ونجاحها المستمر في خلق وبث هذا التواصل ما بين الثقافة المتحفية النخبوية العالية، وتقريبها للناس وربطها بكل ما يتعلق بماضي تراثهم ومستقبلهم من فنون وآداب وموسيقى لها علاقة بعالمهم وبتفاصيل ثقافية وحضارية ربما كانوا يجهلونها، وهي وراء نمو هذه الدار من فكرة متحف لضم القطع القيمة لمجموعة الصباح التي تخصها وزوجها إلى تطورها، لتصبح متحفاً ومركزاً شاملاً تفرخ منه مراكز أخرى لا تقل أهمية عنه مثل مركز الأمريكاني الثقافي ومركز اليرموك الثقافي، وكلها مراكز معنية بتقديم ونشر ثقافة نخبوية حضارية مميزة ضمن سلسلة من برامج المواسم الثقافية الغنية بالمعارف المختلفة سواء كانت باللغة العربية أو بالإنكليزية.

من بواكير الموسم الثقافي لمركز اليرموك، حضرت محاضرة الصديق د. شربل داغر التي كانت عن "الحكاية والصورة بين يحيى الواسطي وابن دانيال"، والتي بين فيها الفرق بين العمل المصور لمقامات يحيى الواسطي والأعمال المصورة لابن دانيال المسماة بخيال الظل، ودراسته ألقت الضوء على أجزاء مهمة من تاريخنا وتراثنا العربي المتعلق بالصورة وخيال الظل في الفن الإسلامي المنحدر والمتأثر بفنون آتية ومتولدة من بلدان مجاورة أو بعيدة، وهذا يدل على اختلاط دماء الأصول الفنية الإسلامية وما قبلها وما بعدها.

المحاضرة كانت عميقة في بحثها وطرحها لأسئلة لم تتوفر لها أجوبة يقينية واضحة متجلية، ولعلها ألقت ضوءاً ودليلاً على وجود الصورة في تاريخنا التراثي الثقافي برغم التحريم الديني لوجودها، وأنها تمكنت من الوجود واختراق المحظور، والدليل على ذلك وصولها إلينا.

الشيء الآخر الذي لفت نظري هو فن خيال الظل الذي كان له وجود مبكر في تراثنا الإسلامي، ومع هذا توقف هذا الفن ولم ينمُ ولم يتطور على عكس ما حصل في الدول الأجنبية التي طورت هذا الفن ورعته حتى صار على ما هو عليه الآن.

شكراً للشيخة الصديقة العزيزة حصة الصباح على كل ما قدمته وتقدمه من ثقافة فنية حضارية متقدمة للوطن وللمواطنين.