«طوائف» العراق تتغير والسنّة أكبر الخاسرين
معظم الأطراف يتورط في الانتهاكات ومنظمات دولية تجمع الأدلة
يقول مسؤولون في الحشد الشعبي، ومثلهم مقاتلون في صفوف جماعات مسيحية وأيزيدية وكردية، إنهم طردوا «داعش» من كثير من المناطق، بعد تضحيات غالية، لذلك لن يسمحوا بعودة الأهالي إليها إلا بعد التأكد من عدم وجود شكوك تذكر في انتمائهم إلى هذا التنظيم المتطرف.إلا أن هذه العبارة، التي تبدو مشروعة ومعقولة، لا تستخدم بشكل علمي وفق معايير الأمن المهنية، كما يبدو، لأن المسؤول عن التخطيط لها وتنفيذها شباب متحمسون لديهم «ثارات» مع «داعش»، ويعتقدون أن ما رأوه من أهوال التنظيم المتشدد، يبرر لهم استخدام القسوة القصوى، لمنع ظهور أنصار «داعش» ثانية.
ولا تتطرق وسائل الإعلام إلا نادراً إلى هذا الأمر، لكن الرصد الأولي لدى مسؤولين وخبراء يفيد بأن عدداً كبيراً من القرى التي يقطنها السنّة في الغالب، من جنوب بغداد حتى حدود تركيا شمالاً، تعرضت لتغيير ديموغرافي، أو باتت غير صالحة للسكن، إلى درجة أن التوزيع الطائفي بدأ يتغير بوضوح، وقد يتصاعد كلما تواصلت الحرب.ويختصر أحد الصحافيين المحليين من مدينة بيجي، المشهورة بالمعارك المعقدة، التي دارت حول مصفاتها، الأمر في أن آلاف البيوت والدوائر الرسمية جرى تدميرها، ويعرب عن اعتقاده بأن نصفها دُمر بعد انتهاء المعركة، أي بفعل فاعل، لتتعقد عودة السكان السنّة. وفي تكريت، مسقط رأس صدام حسين، والتي عادت الحياة الطبيعية إلى أجزاء كبيرة منها، تسيطر جماعات مسلحة شيعية على الملف الأمني، ويقال إن لديها قوائم بمتهمين بالتواطؤ مع «داعش»، تمنع ستة آلاف شخص من العودة إلى منازلهم، ما يثير الرعب في آلاف من أقربائهم الذين يخشون التصفية بتهمة التعاون معهم.وتشير المصادر إلى أن هذا الواقع ليس مجرد مواجهة بين طائفتين، بل إن العشائر السنية في منطقة شمال بغداد انقسم ولاؤها بين معارض للحكومة وموال لها، ما خلق ثأراً داخل المجتمع السني نفسه، وخصوصاً بعد اندلاع الحرب مع «داعش»، إذ انخرط شباب سنّة في صف «داعش»، بينما اصطف آخرون من نفس العشيرة أحياناً، مع الحكومة، وكلما سقط القتلى تزايد سلوك الانتقام من الجانبين.وسجلت حوادث انتقام مؤخراً في منطقة سنجار، حيث الأقلية الأيزيدية التي تعرضت نساؤها للسبي المروع على يد «داعش»، وتشكلت فصائل مسلحة نسوية هذه المرة، مارست الانتقام وخلقت، كما يعتقد، واقعاً جديداً يصعب عودة العشائر العربية إلى هناك.ويحذر خبراء الأطراف الكبرى في الحكومة من أن الصمت الإعلامي النسبي لا يعني صمت المنظمات الدولية، التي تحرص على جمع أدلة بوقوع أعمال تطهير عرقي وطائفي، ويقول هؤلاء إن المجتمع الدولي، حسب تجارب مماثلة، يستخدم هذه الملفات في وقت مناسب لمحاسبة أو تقييد نشاط زعماء حرب وسياسيين ومسؤولين مهمين، محذرين من حصول هذا مع أطراف عراقية عدة إذا لم تصحح الأوضاع، وهو ما يستبعد أن يسير بنحو تصحيحي مع غياب الحوار الداخلي وتصاعد حدة التوترات إقليمياً ودولياً.