لقد أراد المولى تعالى خيراً بالأميركيين أولاً، وبالمسلمين ثانياً، والعالم ثالثاً، أن كشف أبرز المرشحين للرئاسة الأميركية، عن الحزب الجمهوري، الملياردير دونالد ترامب، برنامجه السياسي الذي يعتزم تطبيقه بعد فوزه بالرئاسة، لقد كشف عن كراهية عميقة للبشر، وعنصرية عدائية لفئات كبيرة في المجتمع الأميركي، ليس فقط ضد المسلمين، بل ضد المكسيكيين والنساء والمهاجرين واللاجئين، وهدد ببناء سور فاصل بين أميركا والمكسيك، وطرد 12 مليون مقيم غير نظامي، بل ادعى أنه شاهد احتفال آلاف العرب والمسلمين في "نيوجيرسي" برؤية سقوط برجي مركز التجارة العالمي، وعندما أحرجه أحد الحضور بسؤاله: هل شاهدتهم شخصياً؟ تهرب من الإجابة! طبقا لعبدالله الشايجي، فكيف يؤتمن من يضمر هذه الكراهية العميقة، على قيادة القوة العظمى في العالم؟ وكيف يأمن العالم نزواته العدائية المتقلبة؟ بل كيف يأمن المجتمع الأميركي على مستقبله؟

Ad

ولذلك كان البيت الأبيض أول المتصدين لهذا الطرح الانتحاري، بتحذير الرأي العام الأميركي منه، قائلاً: إن اقتراح ترامب، فرض حظر على دخول المسلمين، يجرده من أهلية الرئاسة، لأنه تعبير عن "انحطاط أخلاقي" مكانه "مزبلة التاريخ"، داعياً الحزب الجمهوري إلى إقصائه فوراً، كما حذّر البنتاغون من خطابه المعزز لخطاب "داعش"، قائلاً: إنه يتعارض مع قيمنا ويضر بأمننا القومي، وتعالت صيحات الاستهجان من النخب الفكرية والسياسية والإعلامية والدينية داخل الولايات المتحدة مستنكرة هذه التصريحات العنصرية، وحتى الحزب الجمهوري وجد نفسه في وضع محرج، يهدد فرصه للوصول إلى الرئاسة، ولذلك سارع المرشحون الجمهوريون المنافسون لإدانة تصريحه المتطرف، وشبهه أحدهم بأنه، باب من غير مفصل، يتخبط ليقع، لقد أدرك الحزب أن ترامب نسف آماله في الرئاسة، كما توالت ردود الفعل العالمية، من زعماء ومثقفين، مستنكرة هذه التصريحات العدائية، فسحبت حكومة اسكتلندا الدكتوراه الفخرية منه، لأنه لم يعد مناسباً لحمل لقب سفير الأعمال، كما طالب أكثر من نصف مليون بريطاني بمنع دخول ترامب إلى بريطانيا، بل حتى في إسرائيل، طالب ثلث البرلمان، نتنياهو بألا يستقبل ترامب، الأمر الذي أدى إلى إرجاء زيارة ترامب لإسرائيل أو إلغائها. كما قامت مجموعة "لاند مارك" الإماراتية، إحدى أكبر شركات التجزئة في الشرق الأوسط بسحب منتجات "ترامب هوم" من 190 متجراً في الخليج.

كراهية الآخر مرض قديم يستوطن كل المجتمعات البشرية، وحتى المجتمعات المزدهرة في أوروبا وأميركا وآسيا، ليست بمنأى عنها، لكن هذه المجتمعات، أوتيت "آلية التصحيح الذتي" وأدوات الفكر النقدي التي تقوم بعملية المراجعة والتصحيح، وتسارع إلى تحصين الجسم المجتمعي العام من آفات الكراهية والعنصرية، وأن تغزو العنصرية فرنسا وأوروبا ويفوز المتطرفون في الدورة الأولى من انتخابات المناطق في فرنسا، فذلك ليس مفاجأة، عقب الأحداث الإرهابية التي تعرضت لها باريس، وفي ظل التحولات التي يشهدها السياق السياسي والاجتماعي والثقافي الأوروبي، وبخاصة أن جذور الفكر النازي نامية، تعتاش على استغلال الأعمال الإرهابية في المجتمعات الأوروبية، وتزدهر عبر صيحات التحذير من أسلمة أوروبا، لكن أن تصدر تصريحات عدائية، من مرشح للرئاسة وفي بلد أسسه المهاجرون، وقام على تقديس الحرية الفردية، وتمثال الحرية الحاضن لمضطهدي العالم، بلد إبراهام لنكولن ومارتن لوثركنغ والآباء المؤسسين للدستور والقيم الأميركية، فهذا أمر مفزع، يستدعي من الرأي العام الأميركي المزيد من الحذر واليقظة تجاه اختيار المرشحين، لذلك كان الكاتب الأميركي، فرانك بروني، محقاً حين دعا الشعب الأميركي إلى حسن الاختيار بقوله: نخسر الحرب ضد "داعش" إن لم نكن جادين في اختيار مرشحينا الرئاسيين، كم يجب على ترامب وكارسون أن يتحدثا بشكل بذيء حتى يستفيق الأشخاص الذين يدعمونهما ويدركوا أن اختيار الرئيس المقبل لهو أمر حاسم لمستقبل البلاد؟

كما كتب توماس فريدمان "أنت لست أميركيا يا أخي" ليؤكد أن ترامب لن يكون رئيسنا القادم.

ختاماً: المدهش أن ترامب الذي يحتقر العرب والمسلمين يجني منهم الملايين وهم الذين أنقذوه من الإفلاس في التسعينيات!

*كاتب قطري