«السينما تحت القبة»... تشريعات يحتاج إليها «الفن السابع»
تحكم منحنيات {الصعود والهبوط} علاقة السينما بغرف التشريع في البرلمان المصري، ومع قرب انطلاق صافرة بدء جلسات مجلس النواب المصري المتوقف منذ سنوات، ظهرت مطالبات من سينمائيين ونقاد ومراقبين بضرورة الدفع بـ{حزمة تشريعات} تخدم حال السينما، وتحارب ظواهر أخرى تؤثر على القطاع والعاملين فيه، لتتباين ردود الفعل حول جدوى ذلك من ناحية، وحتميته من ناحية أخرى.
شدّد مستشار وزير الثقافة المصري خالد عبد الجليل، في ندوة هامش مهرجان القاهرة السينمائي الدولي منذ أيام، أن ثمة قوانين عدة يجب تعديلها، في مقدمها قانون الملكية الفكرية لمواجهة القرصنة، كذلك يجب تعديل قانون الشباك الواحد الذي يضيع على مصر ملايين الجنيهات، والخاص بتصوير الأفلام الأجنبية في مصر، وأخيراً قواعد وقوانين لميكنة تذاكر السينما. وأضاف أن زمن تدخل الدولة في الإنتاج قد انتهى، وأصبح مقتصراً على سلسلة وحزمة من الإجراءات والقوانين والقواعد والتشريعات وبعض التحركات على الأرض، من شأنها أن تدعم الصناعة وتشجع الفنانين والمبدعين.وتحدّث جوليان أسين، المسؤول في مركز السينما الفرنسي، حول ضرورة أن تدعم الدولة المصرية صناعة السينما عبر التشريعات، وتنظيم العملية السينمائية منهجياً بوضع قوانين خاصة تتعلّق بتصنيف الأعمال، وتحديد الأعمار السنية المتاح لها مشاهدة الفيلم، بالإضافة إلى مواجهة القرصنة على الأفلام، وهو ملف مهم يجب على الدولة أن تضع له حلولاً جذرية.
الكاتب والناقد عصام زكريا أشار إلى أن ثمة «حزمة من التشريعات» المتعلقة بقطاع السينما، والقادرة إن تم تشريعها على تصحيح مسار الفن في البلاد، موضحاً أن في مقدمها دعم الجانب «اللوجيستي» في صناعة السينما، فنريد قوانين تسهل وتيسر إجراءات دخول الأدوات السينمائية ومعدات التصوير وخروجها، بالإضافة إلى تقليل رسوم الجمارك وتذليل العقبات أمام راغبي التصوير داخل البلاد.وتابع أن نظرة مستقبلية إلى حال السينما ستجبرنا على دعم الشباب بترسانة قوانين تساعدهم في إنتاج أفلامهم وتوزيعها، وإرسال بعثات شابة من دفعات المعاهد السينمائية كافة والمسارح للدراسة في الخارج، بالإضافة إلى النظر إلى أحوال الاستثمار في قطاع السينما، عبر مشروعات يمكن أن تخدم المجال السينمائي والفن من ناحية، وتعود على الدولة بالنفع من ناحية أخرى.واختتم زكريا حديثه بأن التوجه الرسمي للدولة قد يعرقل المساعي البرلمانية لخدمة السينما، مشيراً إلى أن الوعي بأهمية السينما والفنون في الدوائر الرسمية للدولة «منعدم تماماً»، وأنه سبق لنواب برلمانيين في تجارب سابقة أن اعترضوا على قوانين للسينما بحجة «توفير العيش» بدلاً من الحديث عن السينما، كما نصب كثيرون مشانق لأفلام بسبب موضوعاتها، مشدداً على أن أي دفع بمطالبات لقواعد وقوانين للسينما يجب أن تسبقه تغيير في وجهات النظر حول الفنون ودورها في مصر.وأضاف أن تشريعات مطلوبة لحظر أوضاع معينة أو «فرملتها»، كنقل أصول السينما إلى وزارة الثقافة، فعلى الدولة أن تحدد سياستها إما أن تمتلك أصول السينما عموماً وتحكم سيطرتها عليها أو تتخلى عنها تماماً لصالح القطاع الخاص. أما الوضع الملتبس راهناً في ما يتعلق بسينمات المراكز التجارية إلى جانب دور العرض الحكومية، فيحتاج إلى قوانين كي تفضه، بالإضافة إلى قوانين لزيادة ميزانيات الإنفاق على الأعمال السينمائية. طارق الشناوييرى الناقد الفني طارق الشناوي أن البرلمان نظرياً قد يساهم في التغلّب على حالة {الانسداد} في القرارات المتعلقة بالسينما، والتي تعجز عن الخروج من المكاتب الحكومية، قائلاً إن صناعة السينما تحتاج إلى منظومة تشريعية متكاملة، في أمور عدة كالضرائب وآليات بناء دور العرض وصناعة الأفلام، بالإضافة إلى تصاريح التصوير في مناطق الآثار والمعابد.الشناوي أبدى عدم تفاؤله من تركيبة البرلمان المقبل، قائلاً إن السياسة هي الآمر الغالب على أجندة الجميع، والكل يتحدّث في خط واحد متعلّق بالحكومة أو معارضتها وخطط إصلاح الاقتصاد، ولكن السينما ومشكلاتها ليست مطروحة، معتبراً {القلة العددية} لممثلي الفنون تحت قبة البرلمان أبلغ دليل على ذلك. وشدد على أنه في حال نجح أحدهم في التواجد ضمن صفوف النواب فإنه لن يضمن تصديق باقي الـ 600 عضو على ما سيطرحه من قوانين تحتاج إليها السينما.وتخوف الشناوي من أن يصبح الأمر {سلاحاً ذا حدين}، أي لا تساهم التشريعات في إصلاح أحوال السينما وإنما انتكاستها، فسجلّ {الوصاية التشريعية} لدينا حافل ومؤسف، وقد رأينا في برلمانات سابقة نواباً يصرخون بمحاربة أفلام معينة أو يطالبون بحبس مخرج طرح موضوعاً شائكاً أو قضية جريئة، فتوظيف التشريعات كي تؤدي دوراً أخلاقياً على المبدعين وأعمالهم سيلاقي قبولاً لدى شرائح شعبية عدة، لا تزال تنظر إلى الفن باعتباره أمراً محرماً ينتهك الثوابت.