من دورة إلى أخرى صارت تظاهرة «ليال عربية» إحدى التظاهرات الحيوية في «مهرجان دبي السينمائي الدولي»، فالمثير واللافت والمدهش أن عنوان التظاهرة لا يوحي، مُطلقاً، بجوهرها، إذ يتصور البعض، وهكذا ظننت في البداية، أنها «ليال عربية» خالصة لا مكان فيها لأجنبي أو دخيل لا يحمل الجنسية العربية، وسرعان ما أدركت أنها تترك الأبواب، والنوافذ، مُشرعة لكل صاحب اجتهاد أو رؤية خلاقة بشرط أن يصبّ الاجتهاد، وتلك الرؤية، في الشأن العربي، بمعنى أن يقترب الفيلم من هموم وقضايا الواقع العربي، دونما النظر إلى جنسية المخرج الذي يتبنى هذا الرصد، ولا يهم إذا كان المخرج/ صاحب الرؤية من سكان المنطقة العربية أو يعيش خارجها.

Ad

ربما لهذا السبب اكتسب برنامج «ليال عربية» خصوصية، وتمتع بمكانة راسخة بين أنشطة «مهرجان دبي السينمائي الدولي»، بعدما نجح بعض التجارب من هذا النوع في تقديم وجهة نظر «الخارج»، ولن أقول «الآخر» تجاه «الداخل» العربي، وتوظيف السينما لتتبع مظاهر الاختلاف والتغيير على الأصعدة الثقافية والسياسية والاقتصادية قاطبة.

على رأس هذه التجارب، تأتي «قصة حب سورية» للمخرج البريطاني الشهير مارك أليستر، الذي عُرف بإخراج الأفلام الوثائقية، وبدأ تصوير الفيلم في العام 2009، حيث يجمع السجن السوري بين «عامر» و{رغدة» قبل 15 عاماً، بعد ما وضعت في الزنزانة المجاورة، وأمكن لهما التواصل عبر ثقب سري صنعاه في الجدار، ووقعا في الحب وتزوجا بمجرد إطلاق سراحهما، وكوّنا عائلة صغيرة لكن «رغدة» تعود إلى  السجن أكثر من مرة بسبب معتقداتها السياسية، ما يضطر العائلة، حفاظاً على سلامة الأطفال الصغار، إلى مغادرة المنزل، وهنا تتابعهم كاميرا ماك أليستر، وترافقهم في رحلتهم إلى مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين ثم إلى فرنسا وتركيا، حيث تبدأ المعاناة الحقيقية! كذلك يفاجئ المهرجان جمهوره وضيوفه بفيلم «يا طير الطّاير»، ليس فقط لأن مخرجه هو الفلسطيني هاني أبو أسعد، الذي رُشح للأوسكار، بل لأنه يُباغتنا في فيلمه الجديد باختيار المطرب الفلسطيني محمد عساف، الذي حصد اللقب الأول في مسابقة أحد أشهر برامج اكتشاف المواهب في المنطقة العربية، بطلاً لفيلمه، كما يقدمه «أبو أسعد» بوصفه المُلهم والرمز والأمل للفلسطينيين في الداخل والعالم. والفيلم كان قد حصل على دعم من صندوق «إنجاز»، وهو برنامج من «مهرجان دبي السينمائي الدولي» يهم بتقديم الدعم لصانعي الأفلام في مرحلة ما بعد الإنتاج.

«موجة حر» عنوان الفيلم الروائي الأول للمخرجة جويس نشواتي، وتحكي من خلاله قصة الشاب المهاجر الذي يعيش وحيداً في اليونان في فترة اقتصادية بالغة الصعوبة، ويتعرض للمزيد من الضغوطات في ظل نقص المياه، وازدياد النبرة العدائية الناس تجاه بعضهم البعض، خصوصاً أولئك الذين يمقتون المهاجرين. وجرأة الفيلم في كونه يتعمق في الطبيعة الإنسانية، ويتجاوز ما نرغب الاعتراف به دائماً، وفي تجربة أخرى، أتوقع أن تثير بعض الجدل، يقدم المخرج مؤيد عليان فيلمه الروائي الطويل الأول بعنوان «الحب والسرقة ومشاكل أخرى»، وفيه نتابع قصة «موسى» الذي يواجه صعوبات جمّة في محاولته للخروج من فلسطين، والابتعاد عن قصة حب فاشلة، ويقرر أن سرقة سيارة هي أسرع وسيلة للحصول على نقود للرشوة لكن يحدث ما لم يكن بالحُسبان، إذ يجد جندياً إسرائيلياً مخطوفاً ومقيداً في صندوق السيارة التي سرقها، ويُصبح ملاحقاً من الكتائب الفلسطينية والمخابرات الإسرائيلية معاً!

في سياق ليس بعيد يحكي المخرج فيليب فوكون في فيلمه «فاطمة» تجربة أم لابنتين، الأولى «سعاد» لم يتعد عمرها 15 عاماً، والثانية «نسرين» التي تبلغ 18 عاماً، ورغم عزة النفس التي تملكها المهاجرة «فاطمة»، فإنها تشعر بالقلق على ابنتيها، وتعجز عن التعبير عن مشاعرها تجاههما، بسبب سوء لغتها الفرنسية، وتوافق على العمل كخادمة لتوفر لهما أفضل فرص العيش، لكنها تتعرّض لإصابة تمنعها من مواصلة العمل. وفي فيلمه «يلا ! أندرغراوند (Yallah! Underground) يتحمس المخرج فريد إسلام لتوثيق أعمال وأحلام ومخاوف

مجموعة من أهمّ الموسيقيين في العالم العربي، في زمن يشهد تغيراً عظيماً، وكفاحاً هائلاً من الفنانين العرب من جيل الشباب كي يتمكنوا من التعبير عن أنفسهم بحرية، وينشروا هذه الحرية في مجتمعاتهم، على غرار ما فعل البعض في دول {الربيع العربي}، ممن حلموا بغد رائع، ولم يترددوا في المشاركة بالاحتجاجات، ثم وجدوا أنفسهم ممزقين بين مشاعر اليقظة من الأوهام، والآمال الضبابية بمستقبل أفضل. وفي فيلم {الأباتشي} يروي نسيم عمواش، وهو نفسه بطل الفيلم، قصة {سمير} الذي يرى أن مواجهة ماضيه، سواء طفولته الحزينة أو إرثه القبلي الجزائري، هي السبيل الوحيد لتحرره.