لو لم يكن هناك هذا الاصطفاف الروسي، السافر والمستفز، إلى جانب بشار الأسد ونظامه وإيران، فإن ما لا نقاش فيه هو أن العرب بغالبيتهم، إن لم يكن كلهم، سيقفون على الحياد، أو إلى جانب روسيا في خلافها، الذي اقترب من الصِّدام والمواجهة العسكرية، مع تركيا، إذ إن المعروف أن بعض الدول العربية تأخذ على الرئيس رجب طيب إردوغان انحيازه للإخوان المسلمين الذين لهم "مشاكل" مع مصر وعرب آخرين يختلفون مع هذه "الجماعة" على أمور متعددة وكثيرة.

Ad

كان على روسيا أن تأخذ بعين الاعتبار قبل أن "تدْحش" أنفها في الأزمة السورية، وقبل أن تتحالف مع دولة الولي الفقيه، عسكرياً وسياسياً واقتصادياً وفي كل شيء، أن هذه الدولة تستهدف العرب كأمة، وأنها استحوذت على بعض الدول العربية، ولا تزال تسعى للاستحواذ على دول أخرى، وأن الاقتراب منها على غرار ما تفعله موسكو سيجعل غالبية شعوب ودول هذه المنطقة يتعاطفون، إن لم ينحازوا، إلى تركيا، ليس لأنها دولة إسلامية فحسب بل لأن الروس يتخذون هذا الموقف "المستفز"، ولأنهم عملياً يحتلون سورية احتلالاً عسكرياً مباشراً، ويرتكبون مجازر فعلية ضد الشعب السوري.

والسؤال هنا: ألم يكن من الأفضل لروسيا يا ترى ألا تقحم نفسها في هذه الأزمة السورية وعلى هذا النحو، وتنحاز إلى نظامٍ قتل من شعب، من المفترض أنه شعبه، ما يقدر بأكثر من نصف مليون إنسان بريء، بينهم أطفال ونساء ومن هم في خريف أعمارهم، ودمَّر بلداً من المفترض أنه بلدهُ...؟ ألم يكن من الأفضل للرئيس فلاديمير بوتين لو أنه اتخذ موقف الوسيط، وابتعد عن هذا الانحياز الذي وصل إلى حد تورط سيكون ثمنه غالياً في النتيجة وفي كل الحالات؟!

ويقيناً، وهذا من المؤكد أن فلاديمير بوتين يعرفه معرفة أكيدة، على أساس خلفيته المخابراتية، إن العرب بصورة عامة ينظرون إلى روسيا، قبل أن تتورط كل هذا التورط في الأزمة السورية، وتنحاز إلى الشر ضد الخير، وإلى نظام استبدادي كل تاريخه مذابح متلاحقة ضد شعبه، كدولة صديقة، وحتى أقرب كثيراً من الولايات المتحدة التي كانوا ينحازون إليها ويتحالفون معها في فترة صراع المعسكرات والحرب الباردة، التي يبدو أنها ستعود مرة أخرى إذا بقيت الأوضاع في هذه المنطقة تسير في هذا الاتجاه التصادمي الذي تسير فيه!!

ما الذي تريده روسيا في سورية وفي الشرق الأوسط حتى تأخذ هذا الموقف الخطأ، وتضع نفسها ومستقبل علاقاتها العربية... وأيضاً الإسلامية في السلة الإيرانية، وفي سلة نظام بشار الأسد، الذي هو راحل لا محالة، مهما أُعطي من حقَنِ إنعاش روسية وإيرانية، ومهما أصيبت بعض الدول الأوروبية بالارتباك وبعدم القدرة على التماسك والتمييز، بعدما لسع أصابعها جمر "داعش" والتنظيمات الإرهابية.

كان بإمكان فلاديمير بوتين أن يحصل على كل ما يريده في هذه المنطقة دون أن يورط نفسه ويورط روسيا في مغامرة غير مضمونة العواقب ستكون نتائجها وفي كل الأحوال كارثية... إن الأهم من قاعدة في "حميميم"، التي يحاصرها الرفض العربي ورفض الشعب السوري من كل جانب، هو أن تكون قلوب العرب كلهم مع هذه الدولة، التي ربما بعضهم مازال، ورغم كل هذا الذي فعلته، يعتبرها دولة صديقة... ثم ألم يكن من الأفضل للرئيس الروسي أن يبتعد بنفسه وبلده عن هذا الانحياز المستفز الذي سيكون مكلفاً في النهاية وفي كل الحالات؟!