تباطؤ الصين واقتصاد آسيا

نشر في 19-12-2015
آخر تحديث 19-12-2015 | 00:00
 بروجيكت سنديكيت من الواضح أن التباطؤ الاقتصادي في الصين هذا العام سيخلف عواقب مهمة على بلدان المنطقة وخارجها، في وقت يعتبر نمو الناتج المحلي الإجمالي بمعدل أقل من 7 في المئة، كما هو متوقع هذا العام ـ وفي الأعوام المقبلة ـ في الصين، سبباً للاحتفال في أغلب البلدان، ولكن بعد ثلاثة عقود من النمو بمعدل تجاوز 10 في المئة، يشكل ضعف أداء الدولة صاحبة ثاني أكبر اقتصاد في العالم مصدراً كبيراً للقلق والانزعاج بما يتخطى حدودها.

وفي حين قد يخلف تباطؤ الصين عواقب سلبية على بعض البلدان، فإنه يساعد أيضاً في خلق الفرص لدول أخرى، وهنا يعتمد مصير بلدان المنطقة على بنية اقتصاداتها، وكيف يمكنها في المقام الأول أن تتكيف مع التحول الاقتصادي الجاري الذي تشهده الجارة العملاقة.

وبالفعل، تشهد البلدان التي تنتج المواد الخام، مثل النحاس والنفط والمعادن، للتصنيع في الصين أكبر التغيرات، فالتباطؤ الصناعي في الصين يعني انخفاضاً مماثلاً في الطلب العالمي على هذه السلع الأساسية، والآن يشكل الانكماش تحدياً خطيراً للبلدان التي تتركز اقتصاداتها إلى حد كبير في مثل هذه القطاعات، مثل كازاخستان وتشيلي.

كما تستشعر البلدان التي تنتج السلع الوسيطة أيضاً وطأة هذا التحول، فاليابان، على سبيل المثال، تصنع أجزاء ومركبات تصدرها إلى الصين لإنتاج الأجهزة الإلكترونية الاستهلاكية، وبعبارة أخرى، تمر صادرات اليابان ذات القيمة المضافة إلى العالم عبر الصين غالباً، ونتيجة لهذا، خلف تباطؤ الصين تأثيراً ملحوظاً على أداء الصادرات اليابانية.

بيد أن مصير الدول المصدرة للسلع الأساسية والسلع الوسيطة ليس قدراً محتماً، فالمستهلكون لا يشترون عدداً أقل من الهواتف الذكية، أو الألعاب الإلكترونية، أو أجهزة الكمبيوتر؛ وسينتقل إنتاج هذه السلع ببساطة من الصين إلى منتجين أقل تكلفة، فقد زادت فيتنام، مثلاً، إلى حد كبير إنتاجها وصادراتها من الهواتف الذكية والأجهزة الإلكترونية الاستهلاكية، وهي المنطقة التي تعودت الصين الهيمنة عليها بشكل مطلق، من خلال اجتذاب المزيد من الاستثمارات المباشرة الأجنبية.

وبوسع بلدان أخرى مثل الهند وإندونيسيا من حيث المبدأ أن تظهر كعمالقة جديدة في مجال التصدير، ولكن لكي يحدث هذا، على هذه البلدان أن تستثمر بكثافة في البنية الأساسية والإصلاحات السياسية التي تمكن خدماتها اللوجستية ومناخها الاستثماري من المنافسة على مستوى العالم.

وتبيع مجموعة أخرى من البلدان التي استشعرت تأثير عملية إعادة التوازن في الصين منتجات وخدمات إلى المستهلكين الصينيين، وبرغم تباطؤ النمو فإن الاستهلاك المنزلي في الصين كان في ارتفاع، ويظل السوق الصيني واحداً من الأسواق الواعدة على مستوى العالم، وسيكون أداء الشركات القادرة على اغتنام فرصة ارتفاع الإنفاق الاستهلاكي طيباً.

وحتى الآن، كانت البلدان خارج آسيا ـ مثل ألمانيا بصناعة السياسات لديها، والولايات المتحدة بإبداعها في مجال التكنولوجيا الفائقة ـ المستفيدة الرئيسة من ارتفاع الدخول في الصين، ولكن بلدان منطقة آسيا والمحيط الهادئ اكتسبت أيضاً بعض الأرض؛ فالآن تستغل سنغافورة وأستراليا فرصة ارتفاع الطلب على التعليم العالي الجودة في الصين من خلال توسع صادراتها من الخدمات الجامعية، وتستفيد اليابان من عادات الإنفاق القوية التي يتسم بها السائحون الصينيون، حتى إن هذه الظاهرة ـ المعروفة بـ"باكوجاي" ـ اعتبرت "الكلمة الموضة" هذا العام في اليابان.

وتتألف مجموعة ثالثة من الدول التي قد تستفيد من تلك التي تتنافس في المقام الأول مع الصين، فبوسع هذه الاقتصادات أن تزيد حصتها في السوق العالمي، مع تراجع الصين في بعض القطاعات، وبسبب نجاحها على وجه التحديد، ارتفعت تكاليف العمل في الصين بما يزيد على 100 في المئة في السنوات العشر الأخيرة، الأمر الذي يجعل تكاليف العمل النسبية أقل كثيراً في العديد من البلدان الأخرى، لا فيتنام أو الهند فحسب، بل أيضاً غيرهما من البلدان المكتظة بالسكان مثل بنغلادش وميانمار.

ويعني هذا خسارة العديد من الصناعات في الصين قدرتها التنافسية، وأن نمو الاقتصاد الصيني في المستقبل لابد أن يأتي من الإبداع ومكاسب الإنتاجية، لا من العمالة المتدنية الأجور، وبالفعل، بدأت بنغلادش، على سبيل المثال، تغتنم فرصة انسحاب الصين من القطاع المتدني من سوق الملابس، وكان إنتاجها وصادراتها في ارتفاع سريع، واليوم أصبحت بنغلادش الدولة صاحبة ثاني أكبر صادرات من الملابس في العالم (بعد الصين)، فليس من المستغرب إذن أن تصبح بنغلادش وفيتنام الآن الدولتين اللتين تشهدان أسرع نمو اقتصادي في المنطقة على الإطلاق.

بيد أن المكاسب التي قد تتحقق من تباطؤ الصين ليست تلقائية، فبسبب تنافس العديد من البلدان الأخرى لانتزاع الحصة التي تركتها الصين في السوق العالمي، بات لزاماً على الاقتصادات النامية في المنطقة أن تلاحق مجموعة من الإصلاحات، وأن تستثمر في الطاقة ووسائل النقل والبنية الأساسية الحضرية، لكي يتسنى لها أن تجعل مناخ الاستثمار العام لديها قادراً على المنافسة.

ولأن تباطؤ الصين كان مدفوعاً إلى حد كبير بعوامل جوهرية (ولاسيما تقلص قوة العمل وارتفاع تكاليف العمل)، فلابد أن يُفهم هذا التباطؤ باعتباره جزءاً من حالة معتادة جديدة للاقتصاد العالمي، ولأن الاقتصاد الصيني أصبح أكبر كثيراً الآن، فإن نموه اليوم ولو بمعدل 6 في المئة فقط يساهم في الناتج العالمي بأكثر مما ساهم به نموه بمعدل 10 في المئة قبل اندلاع الأزمة المالية العالمية.

وبالنسبة إلى بلدان أخرى، فلعل أفضل طريقة للتعامل مع تباطؤ الصين تتلخص في تبني الإصلاحات الداخلية اللازمة لتمكينها من تعديل أوضاعها في الاقتصاد العالمي.

ﺷﺎﻧﺞ ﺟﻴﻦ وي

* كبير خبراء الاقتصاد لدى بنك التنمية الآسيوي، رئيس قسم البحوث الاقتصادية والتعاون الإقليمي فيه.

"بروجيكت سنديكيت" بالاتفاق مع "الجريدة".

back to top