اليونان تدخل مرحلة التعافي الاقتصادي
السبيل الوحيد لتعزيز الوضع الاقتصادي في اليونان يكمن في الإصلاحات الهيكلية، وهي المنطقة الوحيدة التي تملك الحكومة فيها درجة من المهلة واليسر، لاسيما أن رئيس الوزراء تسيبراس أثبت قدرته على التعلم من أخطائه، لكنه بات بحاجة إلى استنباط طرق لجعل الحياة أكثر سهولة للشركات والمستثمرين.
غابت اليونان عن عناوين الصحف الرئيسية منذ إعادة انتخاب رئيس وزرائها أليكسيس تسيبراس لحكم البلاد في شهر سبتمبر الماضي، ويقال إن عدم وجود أخبار يعني أنباء جيدة، وقد حققت أثينا أداء فاق التوقعات على الرغم من تباطئها المعتاد في الاستجابة إلى مطالب الدائنين.وبينما لم تحقق اليونان درجة تضمن لها النجاح والخروج من المأزق فإن بنوكها الكبيرة تبدو في حالة جيدة، وتظهر مؤشرات على الحيوية والانتعاش، كما أن خطة الانقاذ التي اعتمدها الاتحاد الأوروبي خصصت لأثينا ما يصل الى 25 مليار يورو من أجل اعادة رسملة البنوك وقد أظهر تقرير صدر عن البنك المركزي الأوروبي حول تقييم وضعها الاقتصادي نشر الأسبوع الماضي أن العجز في رأس المال يتراوح بين 4.4 مليارات يورو (4.9 مليارات دولار) و 14.4 مليار يورو (بموجب سيناريو يكون النمو الاقتصادي أقل بصورة كبيرة وملموسة) في أكبر أربعة بنوك في ذلك البلد، ويتعين على البنوك تقديم خطط رسملة حول كيفية تغطيتها للعجز، على أن يتم ذلك في موعد لا يتجاوز 6 الجاري، حين تبدأ عملية اعادة الرسملة المذكورة.
مؤشر مديري الشراءويتمثل المؤشر الجيد الآخر في مؤشر مديري الشراء في اليونان – وهو مؤشر على النمو الاقتصادي – والذي تعافى ليصل الى أعلى مستوى منذ مايو الماضي، بعد هبوطه بشدة بحوالي 30 نقطة في يوليو، عندما أوصلت الرقابة على رأس المال البلاد الى حالة من الجمود.ورغم أن مؤشر مديري الشراء الحالي الذي يبلغ 47.3 لا يزال أقل من 50 نقطة – ما يشير الى هبوط وتراجع – فمن المرجح أن ينكمش الاقتصاد اليوناني بدرجة أقل من توقعات الدائنين الدوليين، وفي الأسبوع الفائت أبلغ نائب وزير المالية اليوناني جورج تشوريالاكيس برلمان بلاده أن وزارته تتوقع هبوط الناتج المحلي الاجمالي في اليونان بنسبة 1.4 في المئة هذه السنة بدلاً من النسبة البالغة 2.3 في المئة التي وردت في خطة الانقاذ وفي سيناريو البنك المركزي الأوروبي، ويعني ذلك في حال صحة توقعات تشوريالاكيس أن البنوك سوف تكون في حاجة الى كمية من رأس المال أقل من توقعات البنك المركزي الأوروبي، في وقت تشير توقعات بلومبرغ الى احتمال انكماش الاقتصاد اليوناني بنسبة 1.1 في المئة فقط في هذه السنة.وباختصار، يمكن القول إن توقعات الدائنين ربما كانت مفرطة في التشاؤم، وصحيح أن الصورة لا تزال سيئة ولكنها ليست مروعة الى حد كبير، وكل ما يتعين على حكومة أثينا القيام به من اجل عدم التراجع والتعثر هو اتخاذ خطوات تهدف الى تنفيذ ما يدعى "أعمال الأولوية "، والتي تشتمل على قانون اصلاح الضرائب في البلاد وأنظمة التقاعد وغيرها من الأنظمة الحيوية، والتي اعتبرت ضمن الشروط المسبقة للشروع في عملية الانقاذ الأوروبية.وتعمل الحكومة اليونانية على تحقيق ذلك الهدف على الرغم من انها أضاعت فرصة الموعد النهائي المحدد في 29 اكتوبر الماضي، والمتعلق بخطوة "أعمال الأولوية"، وبالتالي لم تتمكن من الحصول على الشريحة الأخيرة من المساعدات البالغة ملياري يورو.عون وشيكربما تعمد مجموعة دائني اليونان الى تقديم مبالغ المساعدة في وقت قريب على الرغم من كل شيء، وقد جهدت حكومة أثينا من أجل تحقيق معظم التشريعات المطلوبة، وبينما تحققت نسبة 30 في المئة فقط من تلك الغاية بحلول منتصف شهر اكتوبر الفائت، فإن الحكومة وصلت الى ما نسبته 90 في المئة بحلول نهاية الشهر، أما بقية الصعوبات فتعتبر غير أساسية، إذ تدور مجادلات بين حكومة أثينا ومجموعة الدائنين حول أشياء مثل ضريبة القيمة المضافة على المدارس الخاصة والتراخيص المتعلقة بعمل الصيدليات. ويظهر هذا مدى عمق انخراط الخبراء من الخارج في ادارة وتوجيه الحياة في اليونان في هذه الأيام. قد لا تملك حكومة أثينا طريقة سهلة بصورة عملية ولكنها تعلمت القيام بخطوات معالجة من دون الحاجة الى اللجوء الى مسيرات جماهيرية أو عمليات استفتاء شعبية من النوع الذي شهدته البلاد في وقت سابق من هذه السنة. ويضاف الى ذلك أن تسيبراس برهن على كفاءة أيضاً في تطبيق خطوات التقشف المطلوبة عن طريق المجلس النيابي.ويمكن القول إن الباعث وراء هذا التصرف الجيد يكمن في وعد قادة أوروبا بإجراء محادثات الإغاثة المتعلقة بالديون في حال التزام اليونان بالعمل كما يطلب منها.وفي دراسة حديثة أظهرت جامعة كريستوفر هاوس في ميتشغان وليندا تيسار أن بلوغ الأهداف المالية بحسب السرعة التي وردت في خطة الانقاذ ينطوي على ثمن، إلا إذا تم خفض أقساط سداد الديون من مستواها الراهن عند 4 في المئة من الناتج الاجمالي المحلي سنوياً، وإذا أمكن تحقيق ذلك فإنه سيفضي الى فوائد في النمو الاقتصادي بشأن تأجيل اتخاذ المزيد من خطوات التقشف.أمل تسيبراسويأمل رئيس الوزراء اليوناني تسيبراس في اثبات تعاونه من أجل خفض دفعات سداد ديون بلاده، وبموجب الشروط الحالية يتعين على حكومة أثينا أن تدفع 319.5 مليار يورو بحلول عام 2057، ويعمل صندوق النقد الدولي على تعزيز ذلك الأمل من خلال وضع اعادة هيكلة الديون كشرط لمساهمته في خطة انقاذ اليونان.وسيضطر وزراء مالية أوروبا مكرهين إلى تأجيل مفاوضات الغوث نظراً لأن اليونان تبدو كأنها تحقق أداء أفضل من المتوقع، كما أن تفادي الاتفاق، الذي قد يشمل تمديد مواعيد الاستحقاق وخفض الفوائد، ينطوي على العديد من المخاطر، وعلى سبيل المثال يمكن لليونان، في أي لحظة، أن تكف عن تقبل النصح إذا شعرت أنها لم تحقق أي جائزة، ويضاف إلى ذلك ان الموافقة على الاعفاء من الديون في وقت مبكر جداً قد تفقد الحوافز بالنسبة الى رئيس الوزراء اليوناني.ومن هذا المنطلق يتعين تحقيق توازن دقيق، وكما هو الوضع في حالات اخرى كانت الجهات الدائنة تملي فيها شروطها الخاصة بالاصلاح – وأوكرانيا مثل آخر في هذا الصدد – فإن التركيز في اليونان يتمحور الى حد كبير على الخطوات المالية، ومن السهل بالنسبة الى حكومة أثينا والدائنية تجاهل ذلك، والسبيل الوحيد لتعزيز الوضع الاقتصادي يكمن في الاصلاحات الهيكلية وهي المنطقة الوحيدة التي تملك الحكومة فيها درجة من المهلة واليسر. وعلى سبيل المثال سوف تكون الحكومة في حاجة الى معرفة كيفية جعل صناعة الصادرات أكثر تنافسية مع ازالة الحواجز التنظيمية التي تجعل اليونان الدولة الأشد صعوبة للأعمال التجارية في أوروبا.التعلم من الأخطاءلقد برهن رئيس الوزراء اليوناني تسيبراس قدرة على التعلم من أخطائه، وعلى أي حال فهو في حاجة في الوقت الراهن الى المضي الى ما هو أبعد من تلك الدروس والبدء باستنباط طرق من أجل جعل الحياة اكثر سهولة بالنسبة الى الشركات اليونانية والمستثمرين حتى مع حرصه على استمرار الدائنين في الانخراط في هذه العملية، كما أنه من دون وجود إبداع فإن الإذعان سوف يفضي الى حصيلة معتدلة فقط.* ليونيد بيرشيدسكي | Leonid Bershidsky