لسنا ملائكة ولن نكون

نشر في 16-08-2015
آخر تحديث 16-08-2015 | 00:01
 ناصر الظفيري في كل مجتمع هناك كم هائل من السلبيات يعرفها هو ويعرفها غيره، ويرى أن الجرأة في طرح تلك المشاكل والتعرض لها في صنوف الكتابة المختلفة ليست للاساءة له والحط من قدره أو تشويه سمعته وانما لعلاج تلك السلبيات.

هذه مهمة الصحافة الحرة والفن الحر والأدب الحر. والكويت ليست استثناء. هي بلد، كأي بلد، لديه ايجابيات ولديه في المقابل سلبيات لا يمكن أن نتركها دون نقاش أو طرح حقيقي لها أحيانا وربما تضخيمها عمدا أحيانا أخرى كي لا تتضخم واقعا. لسنا شعبا مثاليا نحاول دائما أن نصمت عن مثالب واقعنا الكثيرة حتى نرسم صورة جميلة غير حقيقية للوطن. لسنا ملائكة ولن نكون ولا ينبغي أن نكون. لن نخدع أنفسنا أولا وغيرنا ثانيا لننظر دائما الى البثور والندوب في وجه الوطن ونمسح المرآة التي تفشل في عكس صورتنا التي نشتهي.

جميعنا نريد ونتمنى وطنا مثاليا خاليا من الشائنة الكبرى وجميعنا نود أن نفتخر بوطننا ونراه أجمل في عيوننا وعيون أصدقائنا وأعدائنا. ولكن ذلك لا يعني أن نزوره ونخدعه لارضاء غرورنا به. طرح مشاكلنا ليس الهدف منه تشويه صورة جميلة وانما اعادة الجمال لصورة تتشوه بحكم تقدم الزمن وتعقيداته، ليس من المنطقي أن نرى كل شيء ينحدر بشده في حياتنا ونسير مع هذا التيارالمنحدر معلنين عجزنا عن مجاراته.

لقد انحدر المسرح الذي كان يمثل نبضنا متزامنا مع انحدار الأغنية وكلماتها ولحنها وانحدرت قصيدتنا الوطنية والقومية التى عشنا عليها وانحدرت ثقافتنا حين اختفى فرسانها وأعلامها وانحدرت حياتنا اجتماعيا وسياسيا وأصبح من يقف ضد هذا التيار ليعيد الأمور الى ما كانت عليه على الأقل هو الذي يشوه سمعة الوطن، أما هذا السيل التافه الذي يشوهنا ويشوه الوطن فهو مقبول لا تعترض عليه مؤسسة رسمية ولا يوقفه عمل شعبي.

نعترف بأننا نعيش أزمة كبرى يعيشها المجتمع العربي، ونحن جزء منه، ولكننا لا ننكر أيضا أننا نعيش إضاءات ثقافية مهمة خصوصا في الجانب الروائي وسط انهيارات الجوانب الثقافية الأخرى. ورغم ذلك نعتقد ونؤمن أن المطلوب هو جرأة أكثر في الطرح بغض عن النظر عن سياسات المنع والاقصاء التى يتعرض لها الشباب والكبار في أعمالهم. فلا يعني منع عمل ما أن صورة البلد بعد المنع صارت أجمل ورفعت عن جبهته ندبة كانت تشوهه، بينما ما نفعله في الواقع هو اضافة ندبة أخرى اليه أو تعميق حفرها.

نحن نعلم، وغيرنا يعلم كذلك، أننا نتجه للشباب الجادين والمخلصين في عملهم لنوقفهم عن عملهم، ونسمح بالمقابل للأعمال التافهة بأن تتسيد الموقف وتكون المثال الذي نود الابقاء عليه. فهل تعتقد المؤسسة الرسمية أن ذلك سيبقي العباءة السوداء تغطي جراحاتنا ومشاكلنا؟ وهل باستطاعة المؤسسة أن تحدد فعلا للناس ماذا تقرأ وعن ماذا تمتنع؟ اذا لم يكن الأمر كذلك فلا أجد سببا سوى الضغط على الكاتب الجاد أن يتوقف عن الكتابة حتى يبدو منسجما مع هذا التيار الهابط فنيا وثقافيا، وهو أمر لا أرى أن الشباب سيقبلون به ولا يقبل به الجيل الذي سيأتي بعدهم.

إن صورة البلد وجماله لا تشوهها رواية صادقة ولا يقلبها مسرح جاد ولا تخدشها أغنية هادفة وانما يشوهها ويقلبها ويخدشها ما هو عكس ذلك تماما.

back to top