سورية... وسط العذاب
قبل ستة أشهر تقريباً، طوت سورية أربع سنوات من عمر ثورتها المقموعة التي كانت الأشد دموية ودماراً في تاريخ شعبها الذي قاتل ببسالة كل هذه الأعوام، ووقف في وجه الموت وبراميل النار والبارود في مختلف مدن سورية ولا يزال، دون أن يلوح في الأفق المظلم أي نور، ولكن من يحمي اليوم هذا الشعب وبخاصة النساء والأطفال؟
إذا كانت سورية وكذا العراق قد زالا كدول من خريطة المنطقة، وأن الحرب ضد "داعش" ستمتد ثلاثين عاماً كما يحذر المدير السابق للاستخبارات الأميركية، فما مصير الشعب السوري داخل بلاده وخارجها؟ ومن يحميه فيما قوى المعارضة منقسمة وممزقة، والقوى الدولية تؤكد زوال البلاد؟ ومن يوحد صفوف المعارضة؟ ومن يضع حداً كذلك لاستبداد الجماعات المقاتلة التي تزرع الإرهاب والموت في مختلف مناطق سورية وتتسلط بخاصة على النساء وتجلد الرجال في الميادين وتجز رؤوسهم؟ في فبراير 2015، قبل ستة أشهر تقريباً، طوت سورية أربع سنوات من عمر ثورتها المقموعة التي كانت الأشد دموية ودماراً في تاريخ شعبها الذي قاتل ببسالة كل هذه الأعوام، ووقف في وجه الموت وبراميل النار والبارود في مختلف مدن سورية ولا يزال، دون أن يلوح في الأفق المظلم أي نور، ولكن من يحمي اليوم هذا الشعب وبخاصة النساء والأطفال؟يقول أحد المحللين "عام 2013 كان عام تدفق اللاجئين إلى دول الجوار وتفاقم المعاناة الإنسانية، وعام 2014 تضاعفت الخسائر، ودمرت أماكن تاريخية وتراثية، لا سيما في حلب وحمص"، فالكاتب اللبناني المعروف عبدالوهاب بدرخان يقول "لم يعد أي بيان أو تصريح دولي يشير إلى (سورية واحدة) أو (موحدة)، وكل الكواليس تلهج بتقويمات تصف سورية بأنها أصبحت جزراً متنازعة وقطعا متناثرة تفرق بينها قوات النظام... ومهما تفاوتت الخلافات بين الدول الخمس الكبرى فإنها بدت طوال الأزمة غير معنية بالشعب السوري أو بالأحرى غير مصدقة أن هناك شعباً وعليها مسؤوليات تجاهه، حتى الدول التي اشتغلت في القرن الثامن عشر على حماية الأقليات الدينية وخلخلت الدولة العثمانية لم تعد مهتمة بمن كانت لها سابقا مصلحة في توفير الحماية لهم". (الحياة 25/ 6/ 2015). "الحرب الأهلية في سورية"، تقول الفايننشال تايمز، "حصدت أكثر من 220 ألف قتيل، وسط توقعات بوصول خسائر نهاية العام الجاري 2015 إلى 237 مليار دولار، بحسب اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا في الأمم المتحدة، وتدهور سعر صرف الليرة السورية يحمل المزيد من المعاناة لعامة الناس". وتقول الصحيفة "إن هذا التدهور يعني أن متوسط راتب موظف الخدمة المدنية الذي يتراوح بين 20 و30 ألف ليرة، والذي كانت تعادل قيمته 400 دولار، باتت قيمته تساوي الآن 75 دولاراً". (القبس23 / 5/ 2015). وأعلنت المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة "أن عدد اللاجئين السوريين من جراء النزاع في بلادهم الذي اندلع عام 2011 تخطى أربعة ملايين، بينهم مليون هربوا من سورية خلال الأشهر العشرة الأخيرة وحدها"، وأضافت الحياة، 10/ 7/ 2015، أن رئيس المفوضية قال في بيان "إنها أكبر مجموعة من اللاجئين من جراء نزاع واحد خلال جيل". وأضاف "إنها مجموعة بحاجة إلى دعم العالم لكنها، عوضا عن ذلك، تعيش في ظروف مروعة وتغرق في فقر متزايد".وجاء في تقرير نشرته "القبس" في 19 مارس 2015 عن أحوال اللاجئين السوريين في "مخيم برالياس" بلبنان أن الأطفال يتعرضون للعنف بما يفوق الوصف، وكل طفل هو مشروع مجرم لو استمرت هذه المعاملة من قبل من يستغلون العمالة هناك، إذ "يُجلدون بكابلات الكهرباء، وينامون من دون طعام، ويتسول أهلهم عليهم، ويعملون في الزراعة أعمالا شاقة".اعترف بعض الأهالي أنهم زوجوا بناتهم أو بالأصح باعوهن بملبغ 600 دولار، وكاتبة التقرير نفسها تابعت قضية فتاة في الـ12 من عمرها تزوجها رجل عربي مقابل عشرة آلاف دولا لثلاثة أيام فقط، "وأعيدت الفتاة إلى أهلها ليتبين بعد شهرين أنها حامل". ويضيف التقرير "النازح السوري فقير وجائع، ويتم استغلاله بأبشع الوسائل"، ويقول أحد المسؤولين "أقول دون مبالغة إننا أمام مشروع 800 ألف مجرم في لبنان".وتشير ممثلة مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان إلى أن "عدد التلامذة النازحين الذين يجب أن يدخلوا المدارس هو 400 ألف تلميذ، أي أكثر من عدد التلامذة اللبنانيين في المدارس الرسمية 300 ألف تلميذ"، وأشارت الممثلة إلى "أن الدولة اللبنانية منعت الجمعيات الدينية الخيرية من إقامة مراكز تعليمية للنازحين أو حتى استضافتهم في مدارسها الخاصة خشية أي تطرف ديني قد يحصل". ( الحياة 15/ 3/ 2015). ويعمد السوريون إلى تهريب أولادهم خارج سورية خوفا من التجنيد الإلزامي، وتحدثت الصحيفة في 11/ 3/ 2015 عن قلق إحدى العائلات التي لم تتمكن من تسفير ثلاثة من أبنائها الشباب المطلوبين للخدمة، ومازالوا يتنقلون متخفين من مكان إلى آخر ريثما تتدبر العائلة أمر تخليصهم بأي وسيلة ممكنة، ويقول والدهم: "كلما قرع جرس الباب يتوقف قلبي... أظن أنهم جاؤوا لسحب الأولاد إلى العسكرية"، ويضيف "لقد فاق هذا الهمّ كل همومي الأخرى، لم يعد انقطاع الكهرباء والوقود وغلاء الأسعار وتعطل عملي يزعجني كثيرا، كما لم أعد أتذمر من الانتظار ثلاث أو أربع ساعات أمام محطة البنزين، ولا من الحواجز المنتشرة على طريق العمل ذهابا وإيابا، ولا حتى من (غلاظات) الشبيحة، كل ذلك بات هموما صغيرة أمام همّ سحب أولادي إلى العسكرية، هذا الهم أكل قلبي وليس لدي مال كاف أدفعه لإنقاذ مصيرهم... لا أعرف كيف أتدبر الأمر، ولم يتبق لي خيار سوى بيع البيت والسيارة لتأمين تهريبهم إلى أي دولة أخرى".