يوم الأحد الماضي شهدت الكويت حدثاً مهماً هو تقديم رئيس مجلس وزراء كويتي لأول مرة ذمته المالية إلى جهة مخولة بكشف الذمم المالية للمسؤولين الكبار في الدولة ومن في حكمهم، فتقديم سمو الشيخ جابر المبارك، وأقاربه من الدرجة الأولى، ذمتهم المالية إلى رئيس هيئة مكافحة الفساد المستشار عبدالرحمن النمش حدث مهم طالما طالب به العديد من رواد الإصلاح ومكافحة الفساد، وكذلك المؤسسات الدولية التي ترعى الاتفاقيات الخاصة بمكافحة الفساد، وتحقيق الشفافية والنزاهة التي وقعت عليها دولة الكويت.

Ad

ورغم الطابع الكرنفالي الذي أضفاه البعض على الحدث، وكلمة المستشار النمش التي يشيد فيها بالمسؤولين، وتلقيه التوجيهات من شخصية مكلف بمراقبتها، وهو فعل لا يتناسب مع موقعه كمراقب أعلى على حفظ النزاهة والشفافية في البلد، والتي تشمل كافة رؤساء وأعضاء السلطات الدستورية الثلاث في الدولة، والتي توجب عليه أن يكون متحفظاً في تصريحاته إلى أبعد الحدود، وبصفة خاصة الإشادة والمديح لأي كان، فإنه كان من الأجدى والأسلم أن يقدم رئيس هيئة مكافحة الفساد ومسؤولوها ذممهم المالية إلى رئيس السلطة القضائية لا "التنفيذية"، وهو أمر ممكن إنجازه عبر تعديل تشريعي من نواب الأمة.

بلاشك ان بداية تطبيق القانون رقم 24 لسنة 2012 الخاص بمكافحة الفساد والذمة المالية هي بداية عملية لها دورة يجب أن تكتمل بعد أن يقدم جميع المكلفين إقراراتهم المالية، حتى تكون هناك مصداقية لذلك القانون.

ولكي تكتمل هذه العملية يجب أن تصدر هيئة مكافحة الفساد بياناً مفصلاً بعد إتمام تقديم الإقرارات من المكلفين عن نتيجة التحقق منها ومدى صحتها دون الكشف عن معلومات المسؤولين الشخصية، وتوضح تلك البيانات الدورية عدد الإقرارات الصحيحة وغير الصحيحة عبر التدقيق عليها من خلال كافة الأدوات والصلاحيات الممنوحة للهيئة داخل البلاد وخارجها، سواء من المؤسسات المالية أو جهات التسجيل العقاري والسجلات التجارية، وتوضح في بياناتها الإجراءات التي اتخذتها بشأن من قدم بيانات غير صحيحة للهيئة.

كما أن على الهيئة أن تبين كيفية تعاملها مع أي مسؤول يقدم بيانات بأن لديه نشاطات تجارية أو لأقاربه من الدرجة الأولى تتقاطع مع مهام وظيفته، فما الإجراء الذي ستتخذه هيئة مكافحة الفساد حيال ذلك؟ وهل ستتقدم بتعديلات تشريعية على قانونها تسمح بكف يد المسؤول الذي يمتلك مثل هذه الأنشطة عن وظيفته أو نقل إدارة مصالحه التجارية إلى مجلس أمناء يمثل فيه أحد أقاربه دون أن يكون له القرار، كما يحدث على سبيل المثال في النموذج الأميركي (الولايات المتحدة)؟.

بالتأكيد ان تطبيق القانون بحد ذاته إنجاز يسعد به معظم الكويتيين، رغم أن تنفيذه تأخّر ثلاث سنوات، ولكن إثبات جدية ومصداقية تطبيقه يحتاج إلى عمل شفاف وبيانات متتالية للشعب الكويتي من هيئة مكافحة الفساد عن مراحل التطبيق ونتائجها بصفة دورية، خاصة أن قانون كشف الذمة ومكافحة الفساد هو الأمل الأخير للكويتيين لإنجاز إصلاح حقيقي بعد أن فشلت قوانين عدة، ومنها قانون حماية الأموال العامة في وقف مسلسل الفساد والتجاوزات المتتالية فصوله منذ أمد بعيد في البلد.