طوال معظم فترة السنوات الخمس الماضية كانت منطقة اليورو تعاني مزيجاً ساماً من المتاعب الاقتصادية والمالية والسياسية، ما جعلها مصدراً رئيسياً لحالة الهشاشة في الاقتصاد العالمي، وقد انتقلت تلك الحالة في الوقت الراهن الى الأسواق الناشئة، ولكن من المرجح أن تعوق تلك الصعوبات التوصل الى ما كان يطلق عليه "التعافي المستلهم" كما تضاعف من صعوبة خروج منطقة اليورو من حالة الانكماش.
من جهة أخرى لم يكن متوقعاً أن يصدر عن البنك المركزي الأوروبي شريحة تحفيز مالية اضافية عندما اجتمع مجلس ادارته في مالطا في 22 الجاري، ولكن العديد من الاقتصاديين يظنون أن "المركزي الأوروبي" سيقرر القيام بخطوات في هذا الصدد خلال الأشهر القليلة المقبلة، وربما في موعد لا يتجاوز ديسمبر.ومن المحتمل الى حد كبير أن تتمثل ردة فعل البنك في تمديد العمل في برنامجه الخاص بالتيسير الكمي وتوفير المال من أجل شراء أصول عامة بشكل رئيسي، وذلك حتى موعد يتجاوز سبتمبر من العام المقبل، عندما يصل ذلك البرنامج الى نهايته.يذكر أنه حتى الوقت الذي ظهرت فيه سحب القلق حول اقتصاد الصين والأسواق الناشئة خلال الصيف الماضي، كانت صورة الاقتصاد تبدو براقة وواعدة، وقد نما إنتاج منطقة اليورو عند معدل وسطي بلغ 0.4 في المئة بشكل فصلي في الفترة ما بين أواخر سنة 2014 ومنتصف العام الحالي، وعلى الرغم من أن تلك الحصيلة لم تكن لافتة غير أنها أبرزت درجة من التحسن في النمو الضعيف الذي كان سائداً في الأشهر الـ 18 السابقة.توسع التعافيوقد توسع التعافي بصورة واضحة أيضاً، وتحقق ذلك بقيادة ألمانيا بشكل أولي، ومعروف أن الاقتصاد الألماني يمثل حوالي 30 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي في منطقة اليورو، كما تعزز ذلك في الفترة القريبة الماضية من خلال نمو مفاجئ وقوي في اقتصاد اسبانيا، وهي رابع أكبر اقتصاد في منطقة اليورو، وتظهر مؤشرات التحسن في الوقت الراهن أيضاً على الاقتصاد الايطالي وهو ثالث أكبر اقتصاد في منطقة اليورو.تجدر الاشارة الى أن الاقتصاد الفرنسي، وهو الثاني من حيث القوة في منطقة اليورو، لا يزال يعتبر في أحسن الأحوال في وضع حرج، كما أن وتيرة التعافي بشكل اجمالي في منطقة اليورو تظل مخيبة للآمال في ضوء مستوى التحفيز القوي الذي كانت تتلقاه خلال الفترة الماضية، وقد تمثل أحد الجوانب المثيرة في هبوط أسعار النفط التي عملت مثل خفض الضرائب تماماً بالنسبة الى المستهلكين والشركات على حد سواء، كما تمثل جانب آخر في التيسير الكمي الذي كان يقوم به البنك المركزي الأوروبي منذ مارس الماضي من خلال شراء ما قيمته 60 مليار يورو (68 مليار دولار) من الأصول شهرياً. وقد ساعد ذلك بشكل خاص المصدرين عن طريق ابقاء قيمة اليورو متدنية.التصدير للأسواق الناشئةقد تشهد وتيرة التصدير الى الأسواق الناشئة فترة من التباطؤ في الوقت الراهن، وذلك على الرغم من الميزة التنافسية المتمثلة في العملة الرخيصة، وتشكل تلك الصادرات 25 في المئة من صادرات منطقة اليورو، وحوالي 30 في المئة من صادرات ألمانيا وفرنسا وايطاليا وإسبانيا، كما ان النجاح الذي حققته ألمانيا من خلال التصدير الى الصين، الذي يشكل وحده نسبة 7 في المئة تقريباً من صادراتها، أصبح الآن معرضاً للخطر، وبسبب براعتها الفائقة في صنع البضائع الرئيسية تحول اقتصاد ألمانيا الى نظير مثالي للنمو المدفوع بالاستثمار في الصين، ولكن نمو الصين يشهد الآن تباطؤاً من جانب الاستثمار وميلاً نحو قطاع الخدمات.وتشهد الساحة الاقتصادية في الوقت الراهن مؤشرات تحذير مثيرة للقلق، إذ هبطت صادرات المانيا بصورة حادة في أغسطس مقارنة بيوليو، كما تراجعت طلبيات الشراء الجديدة أيضاً لدى المصنعين، وفي منطقة اليورو بصورة عامة هبط الانتاج الصناعي كذلك في أغسطس بنسبة 0.5 في المئة محسوبة على أساس شهري، يضاف الى ذلك أن التعافي قد يتباطأ بدلاً من أن يتسارع ويتوقع الاقتصاديون في باركليز حدوث نمو في الناتج المحلي الاجمالي بنسبة 0.3 في المئة فقط في الربع الثالث.ومن شأن ذلك أن يجعل من الصعب بالنسبة الى البنك المركزي الأوروبي اعادة مستوى التضخم الى الحد المستهدف عند 2 في المئة، وبعد عدة أشهر من تضخم منخفض جداً عانت منطقة اليورو انكماشاً جديداً في سبتمبر، ومن المتوقع أن تشهد منطقة اليورو درجة متدنية من التضخم في العام المقبل وهو احتمال سيئ بالنسبة الى دول مثل البرتغال المثقلة بالديون العامة والخاصة.
مقالات
أخطار بالجملة تهدد اقتصاد «اليورو»
31-10-2015