في بداية شهر يونيو من عام 2008 كان سعر برميل النفط الكويتي 119 دولاراً (ثلاثون ديناراً تقريبا بحسب سعر الصرف حينها)، وقد كتبت حينها مقالا كاملا بعنوان (15 دولارا فقط) أطالب فيه بأن يتم استقطاع 15 دولاراً فقط من قيمة كل برميل نفط تبيعه الكويت، حيث كانت الحسبة البسيطة التي قمت بها قائمة على بيع الكويت مليوني برميل يوميا، وإن تم استقطاع 15 دولاراً من كل برميل فإن ذلك يعني أن المبلغ المستقطع يوميا هو 7.5 ملايين دينار كويتي بحسب سعر الصرف التقريبي حينها، وهو ما يعني أن المبلغ سيكون 225 مليون دينار شهريا و2.7 مليار دينار كويتي سنويا.

Ad

على أن يخصص مبلغ الاستقطاع هذا للمشاريع المهمة والحيوية داخل الكويت (مستشفيات– جامعات- ملاعب– مطار– مساكن– مسارح- طرق... إلخ)، وأن تكون هذه الدولارات القليلة بالمقارنة مع سعر البرميل حينها (119 دولارا) خالية من الهدر والسرقات والهبات والكوادر والمنح، وللدولة وحكومتها ومجلسها هدر ما تشاء من 104 دولارات المتبقية من كل برميل كما هي عادتهم.

اليوم وبعد سبع سنوات من ذلك المقال وصل سعر البرميل مع كتابة هذا المقال إلى 40 دولاراً (أقل بخمس دولارات من سعر التعادل في الموازنة) قابلة للنزول أكثر مع موعد نشر المقال، ولم ننجز أي شيء مما حلمت به قبل سبع سنوات، فلا ملعب سوى استاد جابر، ولا مستشفى سوى مستشفى جابر، وجامعة ضخمة، كلها لم يتم الانتهاء منها بعد، ومطار للتو رست مناقصته، وطرق لم تنته، ومسارح لم تنجز، ومساكن بدأ تشييدها مؤخرا، علما أن إيرادات سنة واحدة من المبلغ الذي اقترحت استقطاعه كانت كفيلة بإنشاء وافتتاح مطار بسعره الحالي، وأربعة ملاعب بحجم استاد جابر، ومستشفى إضافي بحجم مستشفى جابر وغيرها، ولكن ذلك لم يتم، وذهبت الـ119 دولاراً للبرميل هباء منثورا.

عموما، لن أتباكى على اللبن المسكوب، فالعجز بل الانهيار آت لا محالة، وقريباً جدا لن تتمكن الدولة حتى من تسديد رواتب الموظفين، وسيهاجر الكويتيون بحثا عن الرزق ولقمة العيش.

لذلك وطالما ما زلنا نملك بعض الأموال فأنا أحلم اليوم أن تستثمر الدولة ما تبقى لنا من أموال في مشاريع مجدية ومستقرة ومربحة، وأعني هنا قطاع التكنولوجيا تحديدا، فتملك نسب ضخمة بل استملاك، إن أمكن، في شركات كـ"غوغل" و"آبل" وغيرها من أكبر شركات التكنولوجيا، فالتكنولوجيا هي ما يستقطب العالم ويؤثر فيه، ولا يمكنه الاستغناء عنها، وكما هو واضح بأن التعويل على التكنولوجيا عالميا سيستمر لفترة غير قصيرة، وهو ما يعني أن الاستثمار في هذا المجال يعدّ ضمانة جيدة للكويت تحميها من حماقات السنوات الخمسين الماضية، وفي النهاية سيبقى حلماً لن يتحقق، وستدور الأيام وتمضي السنون، وسأكتب مقالا أتحسر فيه على عدم الأخذ بهذا الاقتراح.