أبعاد مجتمعية تقود تحولات «الأسرة» في الأفلام

نشر في 17-07-2015 | 00:01
آخر تحديث 17-07-2015 | 00:01
No Image Caption
قدَّمت السينما المصرية منذ نشأتها كثيراً من «الأنماط والأشكال» الفنية، كان من أبرزها «الأسرة» والتجمعات العائلية، والتي كانت للتطور في ظهورها أسباب متعلقة بالأبعاد الحياتية والمجتمعية، إلى جانب تقلبات المراحل الفنية ورؤى ومعالجات المخرجين التي أنعكست على شكل «الأسرة» من «أم العروسة} إلى {عائلة ميكي».
يرى الأستاذ في المعهد العالي للسينما محمد القليوبي أن السينما هي إحدى أهم النوافذ التي تعبر عن {الواقع}، وأن التغيير في الصورة التي ظهر بها التجمع العائلي لا يمت على سبيل المثال إلى حسابات سياسية أو تدخلات من الدولة، قدر تفاعلها مع {التغيرات الاجتماعية}، وهو ما نلحظه بوضوح في أفلام كانت فيها الأسرة تحل مشكلات أفرادها، في حين تعاني هي نفسها المشكلات والأزمات راهناً.

عوامل أخرى من وجهة نظر القليوبي تتعلق بالمراحل الفنية: اختلاف جودة الأفلام وطبيعة المنتج الفني ذاته، والذي يتسبب في تغير شكل التيمات بحسب رؤى ومعالجات صانعي العمل، مشيراً إلى أن {الأسرة} طوال الوقت كان لها حضور طاغٍ في معظم الأفلام السينمائية، وأن التطور لم يتوقف لحظة في أشكال الأسرة على أرض الواقع، ولكن تغيرت طريقة تناولنا هذه {التيمة} وإخراجها وتمثيلها.

يتابع: {لدى الجميع القدرة على تقديم أنماط مختلفة من الأسرة، وذلك بخلاف أن في الأسرة أشكالاً كثيرة، إلا أننا نحتاج إلى نصوص حقيقية وأعمال متقنة تعود بنا إلى تجسيد {علاقتنا الاجتماعية} التي تحتل فيها {العائلة} مكانة كبرى}.

واختتم حديثه بأنه {على المستوى الظاهري لتمثيل الأسرة في الأفلام، فإن الأسرة قديماً كانت مشكلاتها بسيطة وغير معقدة حتى أوائل السبعينيات، ولكن نرصد في أفلامنا الحديثة أزمات مركبة وتفككاً أسرياً وضعف العلاقات والإدمان. قديماً ظهر أفراد الأسرة بكامل عددهم في الأفلام، ظهور {الأم} بعد ذلك كان بديلاً عن باقي الأفراد، في أيامنا هذه غابت الأسرة وتم تهميشها بشكل واضح}.

تقلبات

يقول المخرج الشاب إبراهيم البطوط إن صورة الأسرة في السينما المصرية شهدت تقلبات عدة، ولم تستمر بوتيرة واحدة.ورغم أن ثمة عدداً من «التيمات السينمائية» التي وقعت في فخ التكرار والنمطية، فإن «الأسرة» على الشاشة تطوَّرت بسبب تطورها في الواقع، والصورة التي كانت تجسدها السينما في أفلامها الكلاسيكية، تختلف عنها في مراحلها التجارية، وأخيراً زمننا الحالي .

ويشير إلى أن أفلاماً عدة في حقبة الستينيات أظهرت الأسرة كمحور لحياة الأبطال وعامل أساسي تقوم عليه الأحداث والحبكات، وكان المخرج يتقن اختيار عناصر لا تشعر المشاهد بأن هؤلاء ممثلون ويأدون أدواراً فنية. حتى الجمهور حينها لم يكن مستعداً لأن يستقبل صورة سينمائية غير واقعية، وهو النقيض تماماً من أيامنا هذه التي يقوم فيها ممثل واحد بدور البطل ووصيفه وأحياناً الجد أو الجدة، في موجة سيطرة {النجم الأوحد}.

ويختتم البطوط: {بعيداً عن التغيير الفني وطريقة عرض أو تكوين الفيلم السينمائي، فإنه بالنظر إلى الواقع ستجد الأسرة قديماً على أرض الواقع وعاء لاحتضان أبنائها ودافعاً لتغييرهم إلى الأفضل، أو تراها تكافح لتزويج أحد أفرادها أو حتى تساند قضية وطنية، ورأينا ذلك في أفلام مثل {في بيتنا رجل، أم العروسة}. ومع دخول عصر الانفتاح ظهرت صورة {أسرة تواجه مشكلات غير معتادة}، وغالباً ما تأتي في صورة أعباء مادية أو انحرافات وتغيرات أخلاقية، ومثال على ذلك أفلام: {الحفيد، إمبراطورية ميم، عائلة ميكي}... وعصرنا هو {ذروة} تراجع الأسرة عن السينما المصرية}.

الناقدة خيرية البشلاوي تقول إن السينما عبر تاريخها حاولت جاهدة الحفاظ على {الرابط الأسري} وإعلاء شأن القيم، مشيرة إلى أنه لا يمكن لأحد إنكار تغييرات في صورة {الأسرة} في السينما من عصر إلى آخر ومن حقبة فنية إلى أخرى، إلا أن {المجمل} من الأعمال السينمائية كان حريصاً على إعلاء شأن القيم الاجتماعية، وصانعوا الأعمال السينمائية لم يتمكنوا من {تجاهل} دور الأسرة وتوظيفها لأهداف مجتمعية عبر تجسيدها سينمائياً.

وتفسر البشلاوي التغيرات في شكل {الأسرة} على الشاشات وطريقة تمثيلها فنيا، بأن {العوامل الفنية} البحتة هي التي تتحكم بشكل كبير أحياناً في طريقة تشكيل {التيمات السينمائية}. بحسب قولها،  الواقع الفعلي من ناحية أو نضج السينما من ناحية أخرى وتغيرها قد لا يكونا السببين المباشرين وراء تحولات في شكل {الأسرة}، مدللة على ذلك بفيلم {حب البنات} الذي فرضت أحداثة غياب الأسرة بشكلها التقليدي الذي ظهر في سينما العقود الماضية.

وتابعت: {قي فيلم {واحد من الناس} لكريم عبد العزيز، رغم غياب {التمثيل الكامل} لشكل الأسرة، فإن البطل يضحي بنفسه ويرتكب الجرائم لأجل أسرته والثأر لها، وهو ما يؤكد أن مفهوم { الأسرة} موجود ويتحكم في سير الأحداث حتى لو لم يكن ذلك بشكل واضح، وهي تغييرات لا تشبه صورة {العائلة} بكامل أفرادها في أفلام أخرى}.

ولكنها لم تنكر أن {التغييرات المجتمعية أدت إلى انحسار التمثيل الأسري الكامل في الأفلام، رافضة أن يكون ذلك {السبب الوحيد}.

back to top