وقفت الأحزاب والقوى السنية، مع استثناءات قليلة، شبه متفرجة حتى الآن على المعارك التي تدور في مناطقها منذ نحو سنتين ضد تنظيم داعش، لأن الحرب ببساطة، لا تجري في ظل حوار سياسي واضح، إلا أن أبناء تلك المناطق وعشائرها السنية يمثلون محاولة انخراط في الجهد الحربي، سواء في قاطع بيجي شمال صلاح الدين، أو الأنبار حيث تتواصل المعارك منذ شهور.

Ad

ويرصد المراقبون اليوم عشائر سنية تنسق مع إيران وروسيا في جبهة صلاح الدين وبيجي، وعشائر تنسق مع أميركا في قاطع الأنبار والموصل أيضا.

ويبدو أن الانقسام الشيعي بين طهران وواشنطن بات يماثله انقسام سني بين طهران وواشنطن، بالضبط، كما أن هناك شبه انقسام كردي بين الأميركان والإيرانيين. وتقدر أعداد المقاتلين السنة المنخرطين في الجبهات بوصفهم متطوعين سنة، بنحو 13 ألف مقاتل، وهو عدد بسيط إذا قورن بنحو 70 ألف متطوع شيعي على الأرض، لكن كل الأطراف تحرص على وجودهم، فالمحور الروسي الإيراني وضعهم في مقدمة معارك صلاح الدين ومصفى بيجي الأخيرة، كي يرد على مزاعم خصومه بشأن نوايا «التطهير الطائفي والإبادة»، ويحاول أن يثبت أنها معركة وطنية، أضف إلى ذلك أن وجود العنصر السني المحلي المنتمي لنفس مناطق القتال، يحمل قيمة عالية لجهة توفير المعلومة الاستخبارية والخبرة بخرائط المنطقة وأنهارها وتضاريسها.

ويقول المراقبون إن معظم من يقاتلون مع الشيعة هم جزء من عشائر كانت متحالفة مع رئيس الحكومة السابق نوري المالكي في حلف «المال والبنادق»، أو عوائل منتسبي الجيش والشرطة التي فجعت بمصرع أبنائها على يد تنظيم «داعش»، وهي تحاول القيام بما يشبه «الثأر القبلي» ردا على المتشددين، ولا ترى مشكلة في التحالف مع الميليشيات لتحقيق هذا الغرض.

أما واشنطن فتحاول العمل مع العشائر التي نسقت معها منذ 2006 لطرد تنظيم القاعدة في إطار مشروع «الصحوات»، إلا أن هذه العشائر سبق أن تعرضت للخذلان حين انسحبت جيوش أميركا نهاية 2011، وتركت مقاتلي السنة تحت رحمة بغداد.

كما أن الجهد الأميركي الحالي لا يمتلك الوفرة المالية ولا الهيبة العسكرية الفاعلة التي أتيحت له قبل نحو 10 أعوام مضت، فضلا عن أن الرئيس باراك أوباما ترك انطباعا بأنه متردد سياسيا، ولذلك لم يكن هناك إقبال سني كاف على التنسيق مع الجهد العسكري المشترك بين بغداد وواشنطن.

وهكذا فإن الانقسام السياسي السني وغياب المرجعية الواضحة، جعل العوائل السنية في مناطق الحرب منقسمة الولاءات بأصعب الأشكال، بين محور طهران موسكو، ومحور واشنطن وحلفائها، ولا ننسى كذلك العوائل السنية الكبيرة التي لم تستطع العمل مع إيران ولا مع أميركا فانخرطت مع «داعش» نفسه لأسباب عديدة.

ولعل أخطر استحقاق سياسي أمام كل القوى حاليا هو تفهم هذا التقسيم الاجتماعي والسياسي المكلف، والاستعداد لاحتواء تداعياته في المستقبل.

أما أغرب التعليقات، التي يسمعها الصحافيون أثناء مناقشة هذا الموضوع، فهو أن إيران نجحت في تجنيد بعض السنة، كما نجحت أميركا، وكذلك نجح «داعش»، بينما بقيت حكومة حيدر العبادي بوصفها الطرف الوحيد الذي لم يبذل جهدا لاحتواء العشائر السنية، وهذا ملمح لانقسام من نوع آخر في بنية النظام السياسي العراقي.