عن أسباب بروز الطائفية السياسية
![د. بدر الديحاني](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1472378832591788600/1472378876000/1280x960.jpg)
لقد شوّهت المجاميع الطائفية والفئوية الوعي العام، وأشغلت الناس في صراعات هامشية وجانبية بعيدة كل البعد عن الصراع الاجتماعي الحقيقي، وبعيدة أيضا عن مطالب الإصلاح السياسي- الديمقراطي والقضايا المعيشية والوطنية المشتركة، وغني عن البيان أنه من مصلحة منظومة الفساد المؤسسي والإفساد أن يتصدر المشهد السياسي عناصر وقوى طائفية، وقبلية، وعنصرية؛ لأن هذه العناصر والقوى لا تملك بديلا وطنيا يقضي على الفساد المؤسسي، ويوحّد الناس حول مطالب معيشية ووطنية جامعة، بل على العكس من ذلك فإنها تعمل دائما وأبدا على تفتيت النسيج الوطني، وإشغال الناس في قضايا خلافية وعبثية، فضلا عن تزييف الوعي العام مما يفضي إلى خلط الأوراق، وتمييع القضايا العامة، وتشويه المطالب السياسية-الديمقراطية العادلة.على هذا الأساس فإن إسهاب البعض في انتقاد تيارات الإسلام السياسي (السنيّة والشيعية) عند الحديث عن الطائفية السياسية لا معنى له إن لم يتطرق، وبصراحة تامة، إلى انتقاد السلطة السياسية التي تحالفت منذ أربعة عقود وما زالت مع هذه التيارات، وسمحت لها بالنشاط السياسي والعام والوصول إلى سلطتي التشريع والقرار بالرغم من أنها قوى طائفية تعتمد في انتشارها الجماهيري وقوتها التنظيمية على عملية الشحن المذهبي والاصطفافات الطائفية البغيضة، ثم مطالبتها، أي السلطة السياسية، بحظر العمل السياسي والعام على المجاميع الطائفية والقبلية والعنصرية لأن ذلك يتناقض مع أسس الدولة المدنيّة الدستورية. بمعنى آخر فإن تركيز العناصر والقوى المدنية التي تقف، بصدق، ضد الطائفية ينبغي أن يكون بالدرجة الأولى على السبب، أي الواقع المادي الذي أبرزها والسلطة السياسية التي تدعمها وتشجعها لا على النتيجة أو أعراض المشكلة، إذ لا معنى البتة أن تُركّز الجهود فقط على انتقاد مجاميع طائفية ومطالبتها بالتخلي عن التأجيج الطائفي، فذلك لن يحصل لسبب بسيط، وهو أن أفكارها وبرامجها وأنشطتها السياسية تقوم بالأساس على الطائفية السياسية.