من لا يعترف بوجود المشكلة أو لا يستطيع تشخيصها بدقة فلن يتمكن من حلها، ومشكلة الطائفية السياسية التي يعانيها مجتمعنا، حيث تخفت أحيانا وتبرز بقوة على السطح أحايين كثيرة، ليس في وجود موروث ديني فقط، بل أيضا، وهذا ما يتجاهله البعض بالرغم من أنه هو الأهم، وجود ظروف موضوعية وواقع مادي يشجعان على إحياء الموروث الديني الطائفي واستخدامه في الصراع السياسي أي جعله حاضرا باستمرار.

Ad

 هناك واقع مادي أو ظروف موضوعية أبرزت الطائفية السياسية وجعلتها عاملا مؤثرا في الحياة العامة، من ضمنها المحاصصة السياسية الطائفية والفئوية، سواء في تشكيل الحكومة أو في تولي المناصب العامة، فضلا عن تحالف السلطة السياسية مع الإسلام السياسي، وهو عبارة عن جماعات طائفية (سنيّة وشيعية) فتحت لها أبواب أجهزة الدولة ومنابر المساجد لممارسة نشاطها، ثم مكنتها من ممارسة العمل السياسي والعام رغم أنها تستخدم شعارات دينية لا شعارات مدنية ووطنية جامعة، من أجل الوصول إلى سلطات التشريع والرقابة وصياغة السياسات العامة وتنفيذها، وهو الأمر الذي يتعارض مع الدولة المدنية التي وضع أسسها الدستور، فماذا نتوقع أن تكون النتيجة؟! هل من الممكن توقع أن يتخرج على أيدي تيارات الإسلام السياسي (سنيّة وشيعية) كوادر مدنيّة ديمقراطية ترفض خطاب الكراهية وتحترم الدستور، وتعمل فعلا لبناء دولة مدنيّة ديمقراطيّة عصرية؟! كلا بالطبع.

لقد شوّهت المجاميع الطائفية والفئوية الوعي العام، وأشغلت الناس في صراعات هامشية وجانبية بعيدة كل البعد عن الصراع الاجتماعي الحقيقي، وبعيدة أيضا عن مطالب الإصلاح السياسي- الديمقراطي والقضايا المعيشية والوطنية المشتركة، وغني عن البيان أنه من مصلحة منظومة الفساد المؤسسي والإفساد أن يتصدر المشهد السياسي عناصر وقوى طائفية، وقبلية، وعنصرية؛ لأن هذه العناصر والقوى لا تملك بديلا وطنيا يقضي على الفساد المؤسسي، ويوحّد الناس حول مطالب معيشية ووطنية جامعة، بل على العكس من ذلك فإنها تعمل دائما وأبدا على تفتيت النسيج الوطني، وإشغال الناس في قضايا خلافية وعبثية، فضلا عن تزييف الوعي العام مما يفضي إلى خلط الأوراق، وتمييع القضايا العامة، وتشويه المطالب السياسية-الديمقراطية العادلة.

على هذا الأساس فإن إسهاب البعض في انتقاد تيارات الإسلام السياسي (السنيّة والشيعية) عند الحديث عن الطائفية السياسية لا معنى له إن لم يتطرق، وبصراحة تامة، إلى انتقاد السلطة السياسية التي تحالفت منذ أربعة عقود وما زالت مع هذه التيارات، وسمحت لها بالنشاط السياسي والعام والوصول إلى سلطتي التشريع والقرار بالرغم من أنها قوى طائفية تعتمد في انتشارها الجماهيري وقوتها التنظيمية على عملية الشحن المذهبي والاصطفافات الطائفية البغيضة، ثم مطالبتها، أي السلطة السياسية، بحظر العمل السياسي والعام على المجاميع الطائفية والقبلية والعنصرية لأن ذلك يتناقض مع أسس الدولة المدنيّة الدستورية.

 بمعنى آخر فإن تركيز العناصر والقوى المدنية التي تقف، بصدق، ضد الطائفية ينبغي أن يكون بالدرجة الأولى على السبب، أي الواقع المادي الذي أبرزها والسلطة السياسية التي تدعمها وتشجعها لا على النتيجة أو أعراض المشكلة، إذ لا معنى البتة أن تُركّز الجهود فقط على انتقاد مجاميع طائفية ومطالبتها بالتخلي عن التأجيج الطائفي، فذلك لن يحصل لسبب بسيط، وهو أن أفكارها وبرامجها وأنشطتها السياسية تقوم بالأساس على الطائفية السياسية.