الإعلام يأكل روح رمضان!

نشر في 24-06-2015
آخر تحديث 24-06-2015 | 00:01
 طالب الرفاعي تبدو مثيرة للانتباه، وتستوجب التوقف عندها، الطريقة التي بات يستقبل الناس بها شهر رمضان "المبارك" في عموم أقطار الوطن العربي، فشيئاً فشيئاً ينسحب البساط من الشهر الفضيل، شهر العبادة، شهر القرآن، شهر تطهير النفس البشرية مما علق بها من أدران خلال عام بكامله، ليتحول إلى شهر أكل حد التخمة، وشهر مسلسلات تلفزيونية بائسة، وشهر سهرات طافحة بالمظاهر الاستهلاكية المريضة. وأخيراً تحوّل شهر رمضان من فرصة وصل بالأهل والأحبة وعموم الناس إلى شهر جشع البيع بدءاً بالتعاونيات والأسواق المركزية، مروراً بالمحال الخاصة، وانتهاء بأسواق صفحات "الانستغرام" الشخصية!

ببساطة متناهية، يتحول شهر رمضان وبدرجة سريعة ولافتة من شهر تعبد خالص، وفرصة لإعادة النظر في مسلك الإنسان المسلم، وصوم جسده وعفة قلبه ولسانه، وإعراضه عن مغريات الدنيا، المباحة وغير المباحة، ليكون شهر مباهج وبذخ وسهر أمام شاشات التلفزيون.

بقدرة الإعلام تخلى شهر رمضان عن روحانيته وغرق في قاع مظاهر دنيوية بائسة، وحتى على مستوى تأدية العبادات، وتحديداً صلاة التراويح، حيث تبدأ المساجد غاصة بالمصلين، ومع اقتراب شهر رمضان من نهايته، يقل المصلون بعد انفضاض عبدة رمضان، دون الالتفات إلى أن العبادة لله وحده، وسبحانه وتعالى موجود في كل الأشهر!

كنت وحفيدتي في طريقنا إلى السوق المركزي، ولقد شرحت لها بصيغة مبسطة جداً معنى الصوم، لكنها ما أن شاهدت تدافع وتكالب الناس على الشراء، وامتلاء عربات التسوق، حتى نطقت ببراءة وعفوية ترمي عليَّ سؤالها: "قلت شهر رمضان للصوم، لماذا يشتري الناس كل هذا الأكل؟".

نعم، الأسر، تكاد تكون جميع الأسر، وحيثما وجدت الأسرة المسلمة، تصرف في رمضان، شهر الصوم والتعبد، ضعف مصروفها الشهري؟ فهل يعني ذلك أن المسلم يصرف ويأكل في رمضان ضعف ما يصرف ويتناول في الشهر العادي؟ أم أنه يرمي إلى النفايات كمية من الأكل الزائد تكاد تعدل الكمية نفسها التي يأكلها في الأشهر العادية؟

ماذا لو دار ببال أحدنا أن يغلق أجهزة التلفزيون تماماً في شهر رمضان، ويعيش خلوة مع ربه ومع نفسه؟ مؤكد أن لهذه التجربة مذاقاً خاصاً، يبعد الصائم عن كل ضجة محطات تلفزيونية تتسابق على اصطياد المشاهد، وتزج به في أتون مسلسلات درامية وفكاهية، يمكن وصف بعضها بأنه إسفاف يخجل المرء منه!

يشكو الكثير من الصائمين من عدم قدرتهم على متابعة المسلسلات الرمضانية لكثرتها، وامتداد عرضها من بعد صلاة العصر حتى دخول وقت الإمساك.

لا أجد معنى لأن يكون شهر رمضان شهر مسلسلات، وكأن الناس لا تعرف الجلوس في بيوتها إلا في شهر رمضان، ولا أجد معنى لمسلسلات كثيرة، تتخذ من الواقع الزائف المشوه جذراً تستند عليه، في تقديم دراما تساهم بشكل أو بآخر في إيهام المشاهد بصدق ما يرى.

ضمن كثير بائس، استوقفني مسلسل "باب الحارة" في نسخته السابعة، ففي الوقت الذي تشهد سورية حروباً طاحنة تكاد تكون الأسوأ في التاريخ الحديث، حروب عنف أعمى متوحش على البشر والحجر، حروب شردت قرابة ستة ملايين لاجئ، وبدلا من أن يتصدى ويعيش الفنان السوري قضايا وألم وطنه وشعبه، ويكون صوتاً صادقاً ومدوياً يسمع العالم مآسيهم وفداحة ما يتعرضون إليه، نرى مجموعة من الفنانين، وفي سبيل حفنة مال، يقفزون على كل آلام الشعب السوري لتقديم مسلسل يجتر حكايات الحارة الدمشقية التي لم يبق منها شيء يذكر، الحارة الدمشقية التي تستصرخ العالم لأن ينقذها مما تتعرض له، الحارة الدمشقية، التي صارت مسكناً للأشباح، إلا في ذهن القائمين على باب "المسخ"!

back to top