تقوم الديمقراطية على مبدأ أساسي هو وجود معارضة واحترام رأي الأقلية وإفساح الصدر لها لأن تعبر عن رأيها وأفكارها وتصوراتها، فكما أن للأغلبية قرارها فللأقلية حقوقها، وإلا تحوَّل البرلمان إلى ديكتاتور، وأصبحت الديمقراطية والحياة البرلمانية شكلاً بغير مضمون.

Ad

برلمان بلا معارضة

مع ظهور نتائج الانتخابات في مصر التي أسفرت عن "برلمان بلا معارضة"، يأتي حديث عن ائتلاف يصل عدد أعضاء البرلمان فيه إلى أكثر من ثلثي أعضائه على وشك أن يعلن تأييده المطلق للرئيس.

وإني على يقين بأن الرئيس السيسي لا يريد هذا التأييد المطلق وأنه يريد برلماناً يمارس صلاحياته كاملة في القيام بدوره التشريعي والرقابي شريكاً كاملاً له وللحكومة في تحمل مسؤوليات هذه المرحلة وتحقيق الآمال التي يتطلع إليها كل مواطن، في تحقيق أهداف الثورة ومواجهة التحديات، وخوض معركته الفاصلة ضد الإرهاب، وضد الفساد، بحكمة ووعي وقلب مفتوح.

ذلك أن الديمقراطية تقوم على مبدأ أساسي هو وجود معارضة واحترام رأي الأقلية وإفساح الصدر لها لأن تعبر عن رأيها وأفكارها وتصوراتها، فكما أن للأغلبية قرارها فللأقلية حقوقها، وإلا تحوَّل البرلمان إلى ديكتاتور، وأصبحت الديمقراطية والحياة البرلمانية شكلاً بغير مضمون، فاختلاف الآراء هو ثراء للفكر، وصراعها هو الذي يومض شعاع الحقيقة، والحوار واختلاف الآراء هما وسيلة المجتمع إلى بقائه وارتقائه.

عودة إلى أزمة المراسيم بقوانين

وكنت في سلسلة من المقالات بدأتها تحت عنوان: "هل يعبر برلمان مصر القادم الأزمة التي عبرها برلمان الكويت؟"، على صفحات "الجريدة" يومي الأحد 22 و29 نوفمبر الماضي، وتحت عنوان "البرلمان والقضاء كانا يرسخان لحكم ديمقراطي في فجر الحياة البرلمانية يوم الأحد الماضي، تناولت أزمة المراسيم بقوانين التي واجهت البرلمان والحكومة في الكويت عام 1995، بعد استئناف الحياة البرلمانية التي عطلها أمر أميري صدر بإيقاف العمل ببعض مواد الدستور، وأزمة المراسيم بقوانين التي صدرت خلال فترة تعطيل الحياة البرلمانية في مصر في فجرها عامي 1926 و1928 التي عطلها أمران ملكيان.

وقد استعدت الأزمات الثلاث، وكيف أصر برلمان الكويت على ممارسة سلطته في إقرار مراسيم القوانين هذه أو رفضها، إعمالاً لأحكام المادة (71) من الدستور، وأصر برلمان مصر على القضاء ببطلانها، لتزول بأثر رجعي، ذلك أن المادة (71) من دستور الكويت ترتب على رفض إقرار المراسيم بقوانين زوالها بأثر رجعي، أما المادة 41 من دستور مصر 1923 فلم تكن ترتب على رفض إقرارها أثراً رجعياً.

وعبرت الأزمة في الكويت بسلام عندما أذعنت الحكومة لرأي البرلمان، وعبرت في مصر بسلام، عندما قضت محكمة النقض المصرية في استهلال حياتها القضائية، بتطبيق هذه المراسيم بقوانين وعدم الاعتداد بقرار البرلمان ببطلانها، على سند من أنها قوانين قائمة بذاتها صدرت من السلطة التشريعية التي تولاها الملك بموجب الأمر الملكي الذي عطل الحياة البرلمانية، وهو أمر ملكي موازٍ ومساوٍ للأمر الملكي الذي صدر به دستور 1923.

وهو ما كانت تسعى إليه الحكومة في الكويت خلال هذه الأزمة عندما لجأت إلى المحكمة الدستورية بطلب تفسير المادة (71) من الدستور، لتحصل على تفسير يتبنى رأي محكمة النقض المصرية، إلا أنها قامت بسحب طلب التفسير والانصياع لرأي البرلمان حرصاً منها على فتح صفحة جديدة من التعاون مع البرلمان في إزالة آثار العدوان تتخطى الأزمات، تأكيداً للتلاحم الشعبي مع الأسرة الحاكمة في الطائف أثناء العدوان العراقي الغاشم.

الدستور يفرض قيداً تعجيزياً

والواقع أن الأزمة الجديدة التي أثارت قلق بعض السياسيين والباحثين القانونيين هي موقف البرلمان القادم من المراسيم بقوانين التي أصدرها الرئيس السابق عدلي منصور أو تلك التي أصدرها الرئيس عبدالفتاح السيسي، عند عرضها على البرلمان بسبب ما تنص عليه المادة 156 من الدستور الجديد من وجوب عرض المراسيم والقرارات الجمهورية بقوانين على البرلمان لمناقشتها والموافقة عليها خلال خمسة عشر يوماً من انعقاد البرلمان، فإذا لم تعرض أو تناقش أو إذا عرضت ولم يقرها زال بأثر رجعي ما كان لها من قوة القانون، دون حاجة إلى صدور قرار من البرلمان بذلك.

ذلك أن هذه المهلة القصيرة المحددة في النص الدستوري لعرض ومناقشة القرارات بقوانين والموافقة عليها سوف توقع أي برلمان في حرج بالغ، مع ما يصاحب افتتاح البرلمان أو انعقاده من إجراءات وانتخابات الرئيس والوكلاء واللجان واجتماع اللجان لانتخاب رئيسها ومقررها، والوقت الذي يمكن أن تستغرقه في دراسة المراسيم بقوانين وتقديم تقرير بشأنها يناقشها البرلمان مناقشة مستفيضة ثم يصوت عليها.

الملهاة الدستورية

وإني على يقين بأن عرض هذه المراسيم والقرارات بقوانين على البرلمان القادم، سوف يوقعه في ملهاة دستورية، وقد بلغ عدد هذه المراسيم والقرارات المئات، إذا وافق عليها خلال هذه المهلة القصيرة مثلما وقع برلمان 2007 في ملهاة دستورية عندما وافق على تعديل 34 مادة من دستور 1971 في جلسة واحدة شهدت ملهاة دستورية جردت الدستور من أهم مقوماته، وهو تميزه عن غيره من القوانين بالسيادة والسمو، عندما فوض الدستور السلطة التشريعية، في إهدار أهم أحكامه الوثيقة الصلة بالحريات العامة والحرية الشخصية وحرمة المسكن والحق في الخصوصية من خلال ما تسنه من تشريعات لمكافحة الإرهاب، وتعطيل الرقابة على دستورية هذه التشريعات، بل أطلقت المادة (179) في هذا التعديل يد أجهزة الأمن في القبض على الأفراد وتفتيشهم وحبسهم وتقييد حرياتهم، دون إذن قضائي، وهو ما تناولته في دراسة نشرتها صحيفة الأخبار المصرية في عددها الصادر 22 فبراير سنة 2011.

وأعتقد اعتقاداً راسخاً أن المادة (156) من الدستور، لا تسري على المراسيم والقرارات بقوانين التي تستمد شرعيتها من ثورة 30 يونيو، فضلاً عن عدم انطباق شروط هذه المادة عليها، وهو ما سوف أتناوله في مقال قادم بإذن الله.