محاولات «أوبك» للحفاظ على دورها الريادي
إذا وافقت السعودية الآن على خفض الإنتاج وارتفعت الأسعار فسيشكل ذلك مساعدة بالنسبة لشركات التكسير وستعلن الولايات المتحدة انتصارها، كما قد تحصل دول «أوبك» على مزيد من الدخل، ولكنها ستواجه معركة إزاء أسواقها التقليدية.
تحركت منظمة "أوبك" نحو رفع سقف انتاجها بعد سنة من قرارها مواجهة منتجي الزيت الصخري في الولايات المتحدة من خلال الحفاظ على ثبات الإنتاج وهبوط أسعار النفط، وكان الإعلان الأخير من قبل منظمة اوبك بمنزلة تجديد لإعلان الحرب وأحد الأسباب وراء الدعوة الى تجاهل توقعات المحللين النفطيين حول تراجع المملكة العربية السعودية عن موقفها أو احتمالات انهيار "أوبك".ومن الوجهة العملية، لم يغير كثيراً القرار القاضي برفع سقف الانتاج من 30 مليون برميل في اليوم الى 31.5 مليوناً لأن الدول الأعضاء في المنظمة كانت تضخ كميات تفوق مخصصاتها التي سبق فرضها بصورة ذاتية، وقد بلغ انتاج شهر أكتوبر الماضي 31.4 مليوناً يومياً، وذلك بحسب الأرقام الصادرة عن المنظمة نفسها، وعلى الرغم من ذلك أفضى رفع سقف الانتاج الى هبوط حاد في سعر خام برنت.
ويرجع ذلك الى اعتقاد المحللين قبل آخر اجتماع لمنظمة "أوبك" أن السعودية كانت تعتزم تخفيف موقفها. وأشار تقرير صدر عن "انرجي انتلجنس" الى أن الرياض كانت توشك على تقديم اقتراح يقضي بخفض انتاج النفط بمعدل مليون برميل في اليوم اذا لم تتعاون الدول المنتجة للنفط من خارج منظمة اوبك، وقد ركزت تقارير اخرى على الضغوط التي تمارسها دول يائسة في المنظمة مثل فنزويلا على السعودية من أجل خفض الانتاج والمساعدة على رفع أسعار النفط.مؤشرات زائفةوعلى أي حال كانت تلك إما اشارات زائفة أو غير ذات صلة، فقد تبين أن الرياض ليس لديها من خيار سوى الاستمرار في ضخ النفط، وينسحب الشيء ذاته على الدول الأعضاء الاخرى في "أوبك"، وهو شيء يدركه معظم العاملين في هذا الميدان، أما بالنسبة الى الأطراف التي لم تفهم هذا الأمر، مثل فنزويلا والاكوادور فكان عليها تحمل ذلك أو مواجهة عواقب الانهيار الاقتصادي الذي سوف يفضي اليه النفط الرخيص.وترددت أحاديث كثيرة عن ضعف سلطة منظمة "أوبك" السوقية منذ أن قررت الحفاظ على ثبات انتاج النفط في عام 2014 بدلاً من خفضه، ولكن قرار أوبك نفسها هو الذي أفضى الى هبوط أسعار النفط بأكثر من 50 في المئة، كما أن تباينات الأسعار في الأسبوع الماضي تؤكد بقوة أن تلك الدول لم تفقد دورها وأن السعودية، لا شركات الزيت الصخري الأميركية، هي القوة المنتجة العالمية المحركة، وعلى أي حال فإن الرياض تلعب لعبة غير تقليدية.وقد بدت "أوبك" عرضة للخطر منذ عقود طويلة، وفي سنة 1986 نشر بروفيسور العلوم السياسية محمد أهراري دراسة بعنوان "منظمة أوبك... العملاق الفاشل"، ولكن المنظمة استمرت على الرغم من ذلك وهي لا تملك طريقة واضحة من أجل فرض الانضباط على الدول الأعضاء فيها، وتعمد الدول القوية مثل السعودية في أغلب الأحيان الى تجاهل القرارات الجماعية التي تصدر عنها، وقد تماسكت المنظمة لأن الدول الصغيرة في حاجة الى السعودية من أجل استقرار أسعار النفط عندما يكون انتاج تلك الدول متقلباً، وفي المقابل تحتاج الرياض الى الدول الصغيرة من أجل تحقيق وضع القوة في السوق، حيث توجد أقوى أربع دول من أصل خمس من خارج أعضاء منظمة "أوبك".وهذه التركيبة لا تتطلب قيام أعضاء منظمة أوبك دائماً برفع أو خفض الانتاج بصورة متساوقة.وفي سنة 2013 نشر خالد الختلان من جامعة الملك سعود دراسة عن سياسة المملكة ضمن منظمة أوبك قال فيها ما يلي إن "تصرف الانتاج السعودي اختلف بمرور الوقت بصورة منهجية، وذلك استجابة لظروف السوق وللخلافات ضمن منظمة أوبك. وراوح ذلك التصرف بين الفترات العادية والفترات المضطربة، وفي الفترات العادية عندما كانت تنطوي على هبوط الطلب تعاونت المملكة مع شركاء المنظمة من أجل تقييد الانتاج، وخلال الاضطرابات كانت ترفع انتاجها بغية تعويض الانتاج من قبل بقية الدول الأعضاء في منظمة أوبك". وكانت السعودية تتصرف بصورة مستقلة في بعض الأوقات، حيث خفضت صادراتها في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي، وذلك في محاولة غير ناجحة للحفاظ على أسعار النفط العالمية العالية، ثم حافظت على مستويات الإنتاج في حقبة التسعينيات من القرن الماضي بشكل سمح لدول أوبك باستعادة الحصة السوقية على حسابها، وفي الحالتين لم تلحق سياسة السعودية الضرر بالأعضاء الآخرين في منظمة أوبك.اختلاف الوضعلكن الوضع أصبح مختلفاً في الوقت الراهن، وتوجد تخمة نفطية في الأسواق كما أن الدول المصدرة، وخاصة من خارج منطقة الخليج، تواجه تكلفة أعلى وعجزاً كبيراً في ميزانياتها، وهي بحاجة الى خفض كبير من جانب السعودية، وهذه الدول على استعداد لتحقيق خفض بسيط في انتاجها من أجل رفع الأسعار، وكانت الرياض مستعدة لتقديم المساعدة في الخفض عادة، ولكن ليس في هذه المرة.وإذا عمدت الرياض الى خفض الانتاج فستذهب سدى الخسائر الضخمة التي تكبدتها الدول الأعضاء في منظمة أوبك في السنة الماضية، وسوف تعمد الولايات المتحدة إلى زيادة انتاجها، وهو ما سوف يفضي إلى رفع حظرها على صادراتها من النفط، كما أن الدول الأعضاء في "أوبك" سوف تبدأ في فقدان أسواق التصدير، وسوف ينتهي دور المنظمة بشكل فعلي، ولن تتمكن السعودية من تحقيق الاستقرار في الأسعار بالنسبة إلى الأعضاء الآخرين في المنظمة.وتسعى الرياض إلى مستقبل لا تتمتع فيه الولايات المتحدة بدور المنتج المحول في السوق، وعلى الرغم من أن شركات التكسير أثبتت أنها أكثر مرونة في العام الماضي وبقدر فاق التوقعات فإن تراجعها أصبح واضحاً في الوقت الراهن.وفي تقريرها عن السوق في نوفمبر، توقعت الوكالة الدولية للطاقة أن ينخفض انتاج الولايات المتحدة من الزيت الصخري بما يصل الى 600000 برميل في اليوم (وكانت تقديرات أكتوبر تشير الى هبوط بـ 400000 برميل)، ولم يعد في مقدور شركات التكسير التحوط كما كان شأنها في العام الماضي، كما أن أسواق الائتمان تضيق الآن بالنسبة الى منتجي النفط في الولايات المتحدة، وتشكل شركات النفط والغاز ثلث اجمالي الديون المتعثرة في الولايات المتحدة.وإذا وافقت السعودية الآن على خفض الإنتاج وارتفعت أسعار النفط فسيشكل ذلك مساعدة بالنسبة الى شركات التكسير وسوف تعلن الولايات المتحدة انتصارها كما أن الدول الأعضاء في منظمة "أوبك" قد تحصل على مزيد من الدخل ولكنها سوف تواجه معركة ازاء أسواقها التقليدية، وهذا ما لا تريده المملكة، ولذلك فهي لا ترغب في خفض انتاجها، وإذا لم تفعل ذلك فإن الدول الاخرى في "أوبك" لن تفعل ذلك أيضاً، ومن دون الرياض لا يوجد أمل كبير في تحريك السوق.* ليونيد بيرشيدسكي | Leonid Bershidsky