يصعب حتى الساعة القول إن الهجمات التي تعرضت لها باريس الأسبوع الماضي، وحملات التخويف المنظمة أو العفوية، تمكنت من إخافة الأميركيين.

Ad

لكن من المؤكد أن ما جرى ويجري سواء في أوروبا أو في مناطق الحرب ضد "داعش"، تحول إلى مادة سجال إضافية بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي في موسم انتخابات الرئاسة الأميركية.

سياسيون أميركيون مرموقون اعتبروا أن غزارة التصريحات الصادرة عن الجمهوريين، سواء كانوا في مواقع مسؤولة أو من مرشحين في هذا السباق، لا تعكس حقيقة ما تضمره المؤسسة الرسمية لهذا الحزب، التي لا تختلف في نهاية المطاف عن الموقف الرسمي لإدارة الرئيس باراك أوباما.

والقول بوجود استراتيجية بديلة، سواء لمحاربة "داعش" أو لوقف الانهيار في منطقة الشرق الأوسط، لا يعدو دعاية حزبية الهدف منها محاولة الاستفادة من مناخ الضغط العام وتوظيفها في الحاق الهزيمة بحظوظ الديمقراطيين من الفوز في هذا السباق.

لم يتوان أوباما من توجيه كلام قاس إلى الأصوات التي طالبت بتحميل اللاجئين السوريين وزر ما اقترفه "داعش" من جرائم. وحاول في المقابل إعادة تصويب النقاش حول مسؤوليات بلاده تجاه هذه القضية، ملوحا باتخاذ اجراءات قانونية بحق حكام الولايات الذين طالبوا بتجميد استقبال اللاجئين السوريين والعراقيين، علما بأن الأرقام التي تعهدت بها إدارته متواضعة ولا تقاس بما تتحمله دول الجوار السوري أو أوروبا.

وللمفارقة فإن معظم حكام الولايات الـ27 الذين طالبوا بتجميد استقبال اللاجئين هم من الجمهوريين، فيما لم تصدر دعوات مشابهة من حكام ديمقراطيين.

وتدرك أوساط سياسية أميركية أن الإمعان في هذه السياسات من شأنه إلحاق ضرر كبير في بنية المجتمع الأميركي القائم أصلا على الهجرة والمهاجرين.

ورغم أن حيثية عدد من أبرز المرشحين الجمهوريين أمثال دونالد ترامب وجراح الأعصاب بن كارسون، قامت على مهاجمة المهاجرين غير الشرعيين من دول أميركا اللاتينية، فإن إضافة العمق الديني والثقافي، مع تصاعد الدعوات لتطويق المسلمين والتضييق عليهم، وصولا إلى مطالبة ترامب بإغلاق المساجد، شكل انتكاسة غير مسبوقة في تراث الولايات المتحدة بصفتها ملاذا آمنا للحريات الدينية.

أوساط أميركية عدة تساءلت عن الحكمة من تغذية روح الكراهية بين الأميركيين، خصوصا ان الأجهزة الأمنية والمراجع السياسية تدرك متانة الوضع الأمني وقدرتها على تعقب المشبوهين، فيما الخطر الداخلي ناجم عن جرائم لا تتصل بالعمق الديني والثقافي، ولا بتداعيات الحرب على الإرهاب على ما تشهده العديد من المدن الأميركية. وحول استراتيجية الحرب على الإرهاب، لم يحد أي من المرشحين الجمهوريين أو الديمقراطيين عن الإجماع الذي يحظاه قرار الامتناع عن الزج بقوات أميركية، إلا المرشح الجمهوري ليندسي غراهام عضو مجلس الشيوخ عن ولاية ساوث كارولينا، الذي خرج عمليا من دائرة التنافس رغم عدم إعلانه الانسحاب رسمياً، كما فعل زميله حاكم ولاية لويزيانا بوبي جندل.

لكن أغلبية المرشحين الجمهوريين دعت إلى زيادة حجم القوات الخاصة الأميركية لتفعيل دعم القوات المحلية لمقاتلة التنظيمات الإرهابية، الأمر الذي فسر كمزايدة على إدارة أوباما من دون تجاوز السياسات التي وضعتها وتحولت إلى دليل سيرشد من يخلفها في البيت الأبيض سنوات طويلة.