للوهلة الأولى، قد تبدو هذه المواقع أشبه بمتاجر كبرى تقدم خدمات علاجية للعملاء. ويتم تقييم أداء المعالجين كما يحصل في أي فندق أو منشأة تقدم خدمات عامة للناس. قد يكتفي بعض الأطباء بذكر اسمهم الأول مثل المستخدمين تماماً. يكفي أن ينقر المستخدم على اسم الطبيب الذي يختاره استناداً إلى مؤهلاته العلمية وخبرته، أو يمكن أن يختار الوجه الذي يريحه بكل بساطة، وهكذا تبدأ جلسة العلاج. لكن يكون جميع الأطباء معالجين حقيقيين وهم يحملون شهادات جامعية موثوقة. يستحيل أن يغشوا في هذا المجال لأنهم مضطرون إلى ذكر رقم تسجيلهم الذي يثبت أنهم يحملون شهادة في علم النفس.

Ad

يعمل معظم هؤلاء الخبراء في مراكز وعيادات متخصصة أيضاً. في ما يلي بعض المعلومات الوافية لفهم مسار هذه الجلسات التي تحمل طابعاً مختلفاً.

بين التدريب والعلاج النفسي

تطرح المنصات الكبرى التي يستعملها علماء النفس عبر الإنترنت نصائح مفيدة وتصغي إلى المرضى ولكنها لا تحمل معنى العلاج النفسي بشكل دقيق. بل تكون الجلسة أقرب إلى التدريب. لكن لا يعني ذلك أن هذه الاستشارات ليست علاجية، فهي ترتكز على التعاطف والتعاون بين الطرفين. يساهم هذا النوع من الاستشارة النفسية في توسيع آفاق علم النفس ويزداد عدد المعالجين الذين يتابعون استقبال المرضى في عياداتهم ولكنهم لا يترددون في الوقت نفسه في المشاركة في جلسات عن بُعد. فتح كثيرون منهم مواقعهم الإلكترونية الخاصة التي تذكر معلومات عن مسيرتهم الشخصية فضلاً عن تفاصيل دقيقة حول {فلسفتهم} العلاجية، أي مستوى تدريبهم ونظرتهم إلى العلاج والصحة النفسية...

يطمئن هذا النوع من الشفافية المرضى لأن تلقي هذه المعلومات خلال العلاج التقليدي يحصل في حالات استثنائية. تسمح الجلسات التي تدور عبر الإنترنت لسكان المناطق الفقيرة باستشارة علماء النفس من دون الاضطرار لقطع عشرات الكيلومترات من أجل موعد تقتصر مدته على 45 دقيقة. كذلك تفتح المجال أمام الأشخاص الذين يعانون مشاكل جسدية تمنعهم من التنقل. نادراً ما تتجاوز الاستشارات التي تقدمها المنصات المتخصصة الخمس أو الست جلسات، لكن يمكن الاستفادة من علاج أعمق من خلال اللجوء إلى موقع معالج نفسي.

سلاسة إضافية في العمل

يستطيع المعالجون النفسيون، من خلال تواجدهم على مواقع الإنترنت، التقرب من العملاء، لكن لا يقتصر الأمر على ذلك. فهم يحصلون أيضاً على فرصة مناسبة لتقييم قدرتهم على العمل في الظروف الطارئة التي يمكن أن تشمل حالة حادة من الاكتئاب، أو انفصالاً عاطفياً مؤلماً، أو نوبة بكاء تصيب الأم بسبب طفلها الذي لا يكف عن الصراخ... تُعتبر طقوس العمل في هذه الحالات أشبه بخيارات حاسمة.

يسافر بعض المعالجين كثيراً لذا تصبح المواعيد في العيادة معقدة جداً. لذا بدأ البعض يقابل المرضى في أماكن عامة ثم يستكمل العلاج معهم عبر برنامج {سكايب} أو الهاتف أو البريد الإلكتروني. يعتبر علماء النفس الذين جربوا هذه الوسائل أن {سكايب} يوفر شكلاً مختلفاً من التواصل. يمكن أن يرسل لهم المرضى رسائل نصية أيضاً حين يشعرون بالسوء.

 بدأ بعض الجلسات المماثلة منذ أربع أو خمس سنوات وهي تستهدف العلاقات الزوجية أيضاً. منذ بضع سنوات، كان العمل عبر {سكايب} يتخذ طابعاً أكثر جدية، لكن لم يعد الوضع كذلك اليوم. لقد أصبح أخيراً مجرد عمل عادي يحصل عن بُعد.

أهمية التواصل المباشر

يرتكز أي علاج على الكلام. سواء حصلت الجلسة في عيادة الطبيب أو أمام الشاشة، يُستعمل المبدأ نفسه. مع ذلك، تفتقر الجلسة الافتراضية لعامل أساسي: التواصل المباشر. يستحيل أن تبدأ أي جلسة علاجية عادية من دون مصافحة المريض مثلاً. لذا تبرز الحاجة إلى عقد لقاء مسبق مع المريض كي يأخذ المعالِج فكرة عنه.

 ثمة اختلاف بين الجسم الافتراضي الذي يظهر على الشاشة والجسم الملموس في العيادة. يكشف الأخير عن جوانب غامضة وغنية لدى الشخص المعني، وهي أمور لا تعكسها الشاشة. من دون التواجد أمام المعالج النفسي شخصياً، لا يمكن الإفصاح عن بعض الحقائق والمعلومات. ويصبح تحليل أسلوب التواصل ونظرة المريض إلى طبيبه أمراً مستحيلاً في هذه الظروف مع أنه عامل محوري في أي علاج نفسي. قد تكشف كاميرا الويب عن أدق ملامح المريض والانفعالات التي تجتاحه أو الدموع التي يمكن أن يذرفها، لكن لا يصبّ هذا الوضع بالضرورة في مصلحة المريض. فقد يشعر الأخير بالانزعاج والإحراج حين يفكر بأن المعالج يركز نظره عليه. أخيراً، يعترف المرضى بأن التواصل المباشر يمنحهم هامشاً أوسع من الحرية والراحة.

عادات ضرورية

يوفر برنامج {سكايب} سلاسة قيّمة في تحديد المواعيد. لذا يُعتبر حلاً فاعلاً بالنسبة إلى المرضى الذين يسافرون كثيراً أو لا يستطيعون الحضور إلى الجلسات في وقت ثابت لأسباب شخصية. ولا يجازف المريض في هذه الحالة بمقابلة أشخاص آخرين. بل يكفي أن يختار وقتاً هادئاً ويطفئ هاتفه الخلوي ويتأكد من أن الأولاد لن يقتحموا المكان وهم يصرخون خلال الجلسة.

بالنسبة إلى الأشخاص الذين اختبروا المقاربة التقليدية قبل اللجوء إلى العالم الافتراضي، هم يتقربون من المعالِج بفضل تبادلاتهم المتواصلة معه أكثر مما كانوا يفعلون سابقاً:

المعالج النفسي هو الذي يدعو نفسه إلى منزل المريض. الأمر أشبه باستقبال صديق! لكنّ هذا التقرب المريح بالنسبة إلى المرضى لا ينعكس إيجاباً على العلاج دوماً.

لذا يوصي الخبراء بتنظيم مسار العمل وترسيخ عادات ثابتة لتحديد مدة الجلسة وتفاصيلها.

يجب أن يتعامل المعالج مع مرضاه كما يفعل في عيادته، فيجلس في كل مرة في المكان نفسه. وعند انتهاء الجلسة، يجب أن يدوّن على أجندته موعد الجلسة المقبلة قبل توديع المريض كما يحصل على أرض الواقع.

قد لا يتمكن المعالج من مصافحة المريض لأن الجلسات الافتراضية تفتقر إلى الاحتكاك الجسدي المباشر، لكن يمكن أن يبتسم له مثلاً.

يبقى الاختلاف بين هذين العالمَين بارزاً: العيادة مكان ساحر يقتصر فيه الواقع على الحقيقة النفسية ويتواصل المريض هناك مع شخص المعالج وتفاصيل حياته (كتبه، لوحاته، أغراضه، صوره...)، وهذا المكان بحد ذاته يعزز الثقة بالمعالج. باختصار، يختلف شعور المريض عند التكلم من منزله وعند التمدد على أريكة المعالج النفسي.

كيف نظام الدفع؟

سواء كانت الجلسات افتراضية أو حقيقية، يمكن دفع تكاليفها عبر بطاقة الائتمان أو الشيكات أو التحويلات المالية. تتراجع التكاليف في المنصات المتخصصة الكبرى، ويصدر صوت صفارة كل ربع ساعة في إشارةٍ إلى الوقت الذي يمر. في معظم المواقع الإلكترونية، يكون الدفع مسبقاً لحجز الجلسة، وهذا الأمر لا يفاجئ معظم المرضى لأنهم يعتبرون العلاج النفسي مشابهاً لأي خدمة أخرى.

لكن يفضل بعض المعالجين احترام قواعد الجلسة التقليدية التي تحصل في العيادة، أي أن تدوم الجلسة طوال 45 دقيقة وأن يدفع المريض كلفة العلاج في النهاية.

خيار إيجابي لاستكمال العلاج

يعتبر عدد كبير من المحللين والمعالجين النفسيين أن برنامج {سكايب} وسيلة ممتازة لتجنب قطع العلاج ومتابعة التواصل بين المعالج ومرضاه، شرط عقد جلسات مباشرة عند الإمكان، حتى لو حصل ذلك مرة كل ثلاثة أشهر. إنه الخيار المتاح الوحيد حين يصبح اللقاء الشخصي مستحيلاً. لكن لا يجب أن ينحصر التحليل النفسي أو العلاج النفسي بهذه الوسيلة فقط.

لا تتعلق المسألة بتأييد استعمال الوسائل الإلكترونية أو معارضتها بل بتحديد طريقة استعمالها. لا شك في أن العالم الافتراضي يقدم مساعدة قيّمة لعقد جلسات علاجية طارئة قبل متابعة العلاج في العيادة، أو لتقديم الدعم النفسي الفاعل ومعالجة حالات كثيرة، منها الاكتئاب، على المدى الطويل. لكنه ليس مناسباً للتحليل النفسي الذي يفترض وجود المعالج شخصياً أمام المريض. في مطلق الأحوال، يبدو أن {سكايب} سيكون جزءاً أساسياً من مستقبل العلاج النفسي!