اختصر مراقبون محليون ما حصل يوم الجمعة في بغداد وتسع محافظات ذات غالبية شيعية في العراق، بأنه حراك مدني يساري الطابع، معتاد منذ سنوات، ويهدف إلى الضغط على النظام السياسي للقيام بإصلاحات.
لكن الجديد الذي دخل طارئاً على المشهد، هو انخراط الفصائل المسلحة المقربة من الحرس الثوري الإيراني، في هذه الحركة الاحتجاجية. حتى أن التظاهرات حملت نوعين من المطالب، فتلك التي رفعها اليسار والعلمانيون والساخطون من الجمهور، ركزت على تردي الخدمات والفساد المالي والانقسام الطائفي المدان، بينما رفعت الفصائل الشيعية المسلحة شعارات خاصة ضد زعماء شيعة لديهم وزارات مهمة في الحكومة.وأحدث الأمر انقساماً نادراً بين الناشطين العلمانيين، فمنهم من تقبل أن يشترك في تظاهرة واحدة مع إسلاميين متشددين طالما أن الهدف هو إدانة الحكومة العاجزة وحثها على الإصلاحات، وقسم آخر قال إنه لا يعارض التحالف مع إسلاميين معتدلين يؤمنون بالحلول السياسية الداخلية والتطبيع مع المحيط الإقليمي، بيد أن الفصائل المسلحة التي انخرطت في الاحتجاج، ورغم مشاركتها المشهودة في الحرب ضد «داعش»، تعد اتجاهاً راديكالياً لا يؤمن بالحوار، ويطرح أفكاراً تقصي الأكراد والسنة، وتعارض التطبيع مع السعودية وتركيا، وتقترب أكثر مما ينبغي من تصورات الحرس الثوري لأمن المنطقة ومقاربة صراعاتها.ولم يكن لدى الفصائل المسلحة حضور كثيف في احتجاجات الجمعة، لكن حضورها الإعلامي وتحشيدها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، كان حسب مراقبين، أول تصادم صريح بين تيارين: الأول يمثله المرجع الأعلى في النجف علي السيستاني ودعوته المتعقلة للحوار، والثاني يمثله حلفاء الجنرال قاسم سليماني، من حرس الثورة في إيران، والذي يحاول أن يرسخ نفوذه في العراق المبني على عرقلة التصالح مع الأكراد والسنة، ورفض التطبيع مع المحيط العربي، وإجبار معتدلي الشيعة على الاقتراب أكثر من مرجعية المرشد الإيراني علي خامنئي، التي تعارضت في سياساتها مراراً، مع عقلانية النجف.وكانت محطات التلفزة المقربة من الأحزاب، خير معبر عن ذلك طوال نهار الجمعة. فالمقربون من السيستاني راحوا يركّزون على إشادته بالمحتجين، ودعوته حكومة حيدر العبادي إلى إصلاحات تهدئ غضب الجمهور، وتمنحه أملاً بالتغيير. بينما انشغلت المحطات القريبة من حرس الثورة الإيراني بالتأكيد على مطالب متطرفة، مثل مهاجمة وزراء تابعين لعمار الحكيم ومقتدى الصدر، وهما تياران شيعيان قريبان من السيستاني، والإشادة بفصائل مسلحة شيعية متطرفة، بوصفها «حركات زاهدة بقيت خارج السلطة ولم تتلوث بالفساد».والصراع بين «شيعة خامنئي» و«شيعة السيستاني» ليس سراً في العراق، لكنه للمرة الأولى يترجم لجوءاً إلى الشارع، وتظاهرات تهدد بحرق مباني الحكومة، أو حتى اقتحام المنطقة الخضراء حيث مقر الرئاسات الثلاث. وحتى أسابيع قليلة ماضية، لم يكن النافذون يتخيلون أن هذه الفصائل سترفع سقف الخلاف إلى هذا الحد، خاصة أن البلاد في مواجهة مصيرية مع تنظيم «داعش»، ولذلك فإن كثيرين اعتبروا هذه الحركة «رسالة مصممة بعناية» يرسلها سليماني إلى مرجعية النجف وحلفائها، بوصفهم طرفاً عراقياً حاول تقييد نفوذ الإيرانيين في السياسة العراقية.وإذا بدت الرسالة محدودة وموجزة في هذه الجمعة، فإن الخوف لا يزال قائماً من تظاهرة أوسع في الجمعة المقبلة، لا في بغداد وحدها، بل في النجف العاصمة الدينية، والبصرة عاصمة المال والنفط، ما سيجعل واضحاً أن إيران تريد «ترتيباً جديداً» للأحجام والأوزان داخل البيت الشيعي، لن يكون في مصلحة «شيعة السيستاني» ودعوتهم للتعقل، في زمن حرائق راديكالية تتحكم بمواجهات الطوائف في الشرق الأوسط.
آخر الأخبار
الجريدة. تقرأ «الانتفاضة المطلبية» في العراق (1/2) طهران تتظاهر ضد النجف في 10 محافظات عراقية
09-08-2015