محاربة الموت... بالحياة!
لن نستطيع التخلص من فكر داعش وكل أخواتها التي تتبع النهج ذاته بهذه الطرق العقيمة السقيمة التي يبدو لا جدوى منها ولا نفع يرجى من ورائها، لا المناصحة درب هدى لهذا الفكر، ولا التشديد على خطباء المساجد ورجال الدين وحثهم على نشر الخطاب الديني الوسطي المعتدل ينقذنا من قبضته، ولا حتى إعادة النظر في المناهج التعليمية تنجي أولادنا وتنجينا من براثن ذلك الفكر المتعطش للدم، والذي يرى أن أقصر طرق الجنّة تمر عبر جثثنا ومن خلال أشلائنا المتناثرة على الرمل وأشلاء أطفالنا ونسائنا، لا فرق فينا بين قريب وغريب، ولا بين مؤمن وملحد، ولا بين أشهر حُرم وغيرها من أشهر السنة، هذا الفكر لن تنجح في مكافحته هذه الأساليب المتبعة، وستذهب كل الجهود المبذولة في إطارها سُدى ومآلها للفشل، فهي ليست إلا ضمادات تغطي ظاهر الجرح فقط ولا تعالج العلة، ولا تستأصل هذا السرطان من المجتمع وإنما توحي فقط بأن هناك مساعي للسيطرة عليه، كل هذه المساعي لمحاربة هذا الفكر هي باعتقادي مجرد محاولات غير ناجحة للقفز بالزانة لتخطّيه وتجاوزه، فهذا الفكر الذي أشاع الموت في النفوس، و"شرْعَن" الغدر والقتل غيلة، وأحل الدم البريء، وتفاخر بالدمار الشنيع، وفرح بترويع الآمنين، وانتشى بنظرات الرعب المرسومة في أعين الأطفال والنساء، لن يتم القضاء عليه مباشرة بواسطة أجهزة الدولة، ولا المؤسسات الرسمية، ولا التنظيرات التي ترسل من الأعلى إلى الأدنى، ولا بالمساومات في الغرف المظلمة، وإنما السبيل الوحيد للتخلص من هذا الفكر هو تعزيز مظاهر الحياة في المجتمع وفي نفوس أفراده، إذ ليس هناك وسيلة أنجع من ثقافة الحياة في محاربة ثقافة الموت، فإذا كانت التنظيمات المتطرفة تشيع بيننا الموت وتسهّل الطريق المؤدي إليه وتجمّله، فعلينا في المقابل أن نسهّل طريق الحياة في المجتمع ونجمّله ونعبّده بكل ما يجعل الحياة بحد ذاتها قيمة غالية ليس من اليسير التفريط فيها أو بيعها بأي ثمن يعرض في سوق تجارة الدين أو غيره، ولابد أن تصبح الحياة الواقعية التي يعيشها كل فرد في المجتمع مكسبا شخصيا في نظره ليس من حق أحد انتزاعه، مما يجعله يؤمن بأنه في حربه ضد واهبي الموت إنما يدافع عن أسلوب الحياة التي يعيشها وليس نيابة عن سلطة أو أشخاص، لابد من جعل الحياة مشتهاة لأفراد المجتمع من خلال اتساع سماء الحريات العامة، وحفظ حقوق الأفراد، والحرص على رفاهية المجتمع حتى يتولى الأفراد في المقام الأول وبمساعدة الجهات المعنية في الدولة تالياً مسؤولية الدفاع عن هذه المكتسبات التي ترسم ملامح حياتهم المدنية ومستقبل أولادهم؛ لن تستطيع السلطات الرسمية مقاومة الأفكار الإرهابية مهما فعلت طالما لم تستطع أن توسع الهوة كثيرا بين الموت والحياة في هذه المجتمعات، فلابد من محاصرة الموت بالحياة وليس هناك منطقة وسط بينهما.