في الوقت الذي يمثل فيه قانون محكمة الأسرة نقلة نوعية في مجال التشريعات، وسيساعد على قصر عمر الدعاوى والقضايا الخاصة بمسائل الأحوال الشخصية، فإن وزارة العدل لن تتمكن من إدخال القانون حيز التنفيذ في الموعد المحدد له في شهر مارس المقبل، وذلك لعدم تجهيزها الاحتياجات اللازمة لهذا القانون، وهي عدم توفير المباني، والكوادر البشرية، وعدم توفير قواعد البيانات أو الأجهزة اللازمة لها، أو حتى القضاة المكلفين للفصل في تلك القضايا.

Ad

وبينما أكد وزير العدل وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية يعقوب الصانع لـ«الجريدة» في وقت سابق من عمل الوزارة تجهيز المباني المخصصة لتلك المحاكم، كشفت مصادر قانونية لـ»الجريدة» عدم توصل الوزارة حتى الآن إلى تأجير أي مبنى أو تجهيزه، وهو ما سيعمل على تأخير تنفيذ القانون وعدم إدخاله حيز التنفيذ، وفق ما ينص القانون على ذلك.

وتكمن المشاكل التي يتوقع أن يحدثها عدم تطبيق القانون في أن المحاكم الحالية ستكون ملزمة وفق المادة الثانية من القانون بإحالة كل قضايا الأحوال الشخصية إلى محاكم الأسرة، سواء «الكلية أول درجة»، أو «الاستئناف» حتى تتولى الأخيرة الفصل فيها، وهي التي لم تتشكل بعد حتى الآن، كما يتعين على المحاكم الكلية أو الاستئناف أن تقوم بتشكيل محاكم الأسرة في كل محافظة، سواء بدرجة قضائية واحدة من القضاة، أو بدرجة ثلاثية للمستشارين الذين سيتولون الفصل في محاكم الاستئناف، والتي ستكون كذلك في كل محكمة تتبع لها محاكم الأسرة.

والأمر لا يقتصر على تلك المعضلة فقط، لأن مباني المحاكم لم تجهز ولم تتوفر بعد، رغم صدور القانون في شهر مارس من هذا العام، ولم تتحرك «العدل» بعد على إيجارها، بل تكمن المشكلة في تعطل الفصل في الدعاوى القضائية المعروضة أمام المحاكم، لكونها أصبحت غير مختصة بمجرد دخول قانون محكمة الأسرة التنفيذ في شهر مارس المقبل.

استشارات أسرية

أما المشكلة الثانية فتكمن في أن الوزارة لم توفر بعد الكوادر البشرية اللازمة للعمل في تلك المحاكم، ولم توفر إدارات التنفيذ التي ستعمل في تلك المحاكم الأسرية، ولا حتى النيابات المتخصصة فيها، ولا الكوادر التي ستعمل في مراكز تسوية المنازعات، ولا مراكز الاستشارات الأسرية، بحسب ما ينص على ذلك قانون إنشاء محكمة الأسرة وقانون محكمة الأسرة الذي ينص على عملها واختصاصاتها ومتطلباتها.

وبحسب المادة الأولى من القانون فإنه يتعين إنشاء محاكم كلية للاسرة والاستئناف في كل محافظة من المحافظات الست، كما هي تلك المحاكم ستكون مهمتها الفصل، بحسب المادة الثالثة بجميع القضايا، سواء قضايا الأحوال الشخصية العادية أو قضايا الأحوال الجعفرية.

وبحسب المادة السادسة من قانون محكمة الأسرة، فإنه يتعين إنشاء قسم لإيداع ملفات قضايا الأسرة المتعلقة بكل أسرة تلجأ إلى المحكمة، وكذلك يلحق بكل محكمة مكتب لأداء التوثيقات الشرعية، كما تطلب القانون وفق المادة السابعة منه إنشاء نيابة متخصصة لشؤون الأسرة تتولى المهام الموكلة للنيابة العامة في قضايا الأحوال، كما تطلب القانون إنشاء مراكز لتسوية النزاعات الأسرية وحماية أفراد الأسرة والأبناء من العنف في كل محكمة.

بينما نصت المادة التاسعة من القانون على ضرورة لجوء الأفراد وجوباً منذ نشر القانون في مارس المقبل قبل اللجوء إلى رفع دعاوى الطلاق إلى مراكز تسوية النزاعات في المحاكم، والتي يتعين انشاؤها، والتي لم تنشأ بعد، والتي مهمتها فض حل وتسوية النزاعات الزوجية، وفي حال عدم تمكنها أو توصلها إلى حلول توافقية بين الزوجين جاز لهم بعدها اللجوء إلى الطلاق أو التطليق، والسؤال المهم هل سيمنع الناس من اللجوء إلى القضاء لاقتضاء حقوقهم لعدم جاهزية وزارة العدل لإدخال نصوص القانون حيز التنفيذ، وذلك لإنشاء الإدارات والأقسام اللازمة لاستقبالهم، بحسب ما نص عليه القانون، خصوصا أن القانون نص على فترة زمنية محددة لحل مراكز تسوية النزاع للنزاعات التي تحدث بين الزوجين تبدأ بـ15 يوما ولا تمتد إلا مدة أكثر، إلا بموافقة الطرفين بحد أقصى 60 يوما، ومن بعدها تتم إحالة النزاع على المحاكم للفصل فيها.

نفقة مؤقتة

وينص القانون على ضرورة توفير قضاة للامور المستعجلة للفصل في الدعاوى المستعجلة للمتقاضين، بصفة مؤقتة، ولهم الفصل في دعاوى النفقة المؤقتة والأحقية بمؤخر الصداق ونفقات العدة والمتعة ورؤية المحضون، والإذن بسفر المحضون وطلب منعه من السفر، والإذن باستخراج جواز سفر للمحضون، والإذن باستخراج شهادة ميلادية له، وتسجيل المحضون بالمدارس الحكومية والخاصة، والإذن للوصي أو الولي عن الصغير للتصرف في المال.

وعلى الرغم من اقتراب مدة تطبيق القانون ودخوله حيز التنفيذ في شهر مارس المقبل، أي قرابة ثلاثة أشهر، لم تخصص المحاكم بعد القضاة الذين سينظرون للدعاوى الوقتية أو الأوامر على عريضة للمسائل التي نص عليها القانون وفق نص المادة 11.

كما ينص القانون على إنشاء دوائر مدنية في محاكم الأسرة تكون مهمتها الفصل في دعاوى القسمة، والمطالبة بمقابل الانتفاع وتكاليف البناء والترميم، علاوة على الفصل بدعاوى منازعات التنفيذ، وهو ما يعني عدم اختصاص المحاكم الدستورية بعد دخول منازعات هذا القانون حيز التنفيذ في شهر مارس المقبل لكل تلك الدعاوى، واختصاص محكمة الأسرة فيها بدوائرها المنصوص عليها بالقانون، والتي للاسف لم يتم العمل على إنشائها، وهو ما سيضر بالمتقاضين وحقوقهم المعروضة أمام المحاكم.

كما نص القانون وفق المادة 15 منه على ضرورة إنشاء إدارة تنفيذ القضايا الأسرية فقط في كل محافظة، وهو ما يعني تعيين مدير لها بمعنى سيكون لكل محافظة إدارتا تنفيذ، واحدة لتنفيذ العادي، والأخرى لتنفيذ قضايا وأحكام الأسرة.

والسؤال المهم هل قامت وزارة العدل بإنشاء هذه الإدارات التي ستعمل على تنفيذ الأحكام؟ وهل وفرت الموظفين الذين سيعملون في تلك الإدارات والباحثين القانونيين المتخصصين لها او حتى القضاة الذين سيتم ندبهم إليها أو الأجهزة وقاعدة البيانات التي سيتم توفيرها؟، وبالتأكيد لم يتم حتى الآن توفير أي من تلك المسائل التي يتطلب القانون توافرها، والتي لم تعمل الوزارة على تحقيقها، وهو الأمر الذي يدعونا إلى طرح تساؤل في غاية الأهمية، ماذا كانت تفعل وزارة العدل منذ صدور هذا القانون في شهر مارس من هذا العام، أي منذ 7 أشهر تقريباً؟، وماذا ستفعل بعد ثلاثة أشهر؟ هل ستطلب تمديد العمل بقانون المحكمة سنة أخرى!

والأمر لم يتوقف على تلك المتطلبات التي اشترط القانون توافرها ولم تنجزها وزارة العدل حتى الآن، بل تطلبت المادة 16 من القانون توفير قرار أو أكثر في كل محافظة يخصص لتسليم المحضون ورؤيته، وحتى هذه اللحظة لم توفر الوزارة تلك المراكز كما نص القانون في المادة 17 منه على إنشاء صاديق تخصص لتنفيذ أحكام تقرير النفقة للزوجة أو المطلقة إذا تعذر تنفيذ أحكام النفقة لصالحها. وللوزارة الرجوع إلى المحكوم عليه للمطالبة بما صرفته على مطلقته وزوجته حتى الآن أو حتى إنجاز قواعد هذه المادة التي ستفتح باب المطالبات لدى المتقاضين.

وتقول مصادر قانونية لـ«الجريدة» إن قرابة الـ20 ألف قضية أحوال شخصية بين المحاكم الكلية والاستئناف مهددة بالتأخير من جراء دخول قانون الأسرة محل التنفيذ في شهر مارس المقبل، بسبب عدم جاهزية تطبيقه من وزارة العدل الذي يشترط توفير العديد من المسائل، والتي لم يتم إنجازها.

مدة غير كافية

وأوضحت المصادر أن اللجان التي شكلتها وزارة العدل لتنفيذ القانون وإدخاله حيز التنفيذ تعمل على تطبيق نصوص القانون، إلا أن المدة المقررة بالقانون، وهي سنة، غير كافية، ويتعين على مجلس الأمة تمديدها إلى عام آخر، لأن القانون يتطلب توفير 12 مبنى قضائياً على الأقل، منها مبنيان في كل محافظة، فالأول مبنى يضم محكمة الأسرة والتنفيذ والنيابة، بينما يضم الثاني مكاناً لتنفيذ أحكام رؤية وتسليم المحضون، إلا أن الوزارة لم تجد حتى الآن ولا مبنى من الـ12 المطلوبة لتأجيرها، خصوصاً في ظل وجود بعض العراقيل في الإيجار كسعر المتر المحدد من وزارة المالية، والذي لا يمكن تجاوزه، وكذلك المواصفات المطلوبة بالعقارات المراد تأجيرها كمبان للمحاكم، أو تسليم ورؤية المحضون، والتي تعمل الوزارة على أن تكون على شكل فلل سكنية أو منازل.

وختمت المصادر بأن متطلبات القانون كثيرة، ومدة العام ليست كافية لإنشاء المحاكم في كل محافظة من درجتي تقاضي وتعيين الموظفين اللازمين لها، وتوفير القضاة والمراكز التي يتطلبها القانون، وان التنفيذ قد يتطلب شهورا إضافية ستتجاوز المدة المحددة لتنفيذ القانون في شهر مارس المقبل.