تناقضات بوتين!
كان على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن يتذكر أن صدى كلامه، الذي قال فيه، إنَّ وجود روسيا العسكري في سورية هدفه مساندة بشار الأسد ومنع نظامه من الانهيار، لم يكن قد تلاشى بعد عندما تحدث من فوق منبر الأمم المتحدة وفي أروقتها عن أن الشعب السوري هو الذي يقرر مصير رئيسه. أليس هذا تناقضاً مع الذات، وتزويراً لحقائق الأمور، وتبريراً لأخطاء فادحة ارتكبها رئيس إحدى دول العالم الكبرى، التي تتمتع بحق الـ"فيتو" في مجلس الأمن الدولي، عندما ساند منذ البدايات حاكماً ظالماً ومستبداً جاء إلى الحكم ضد إرادة شعبه، وبقي في موقع المسؤولية الأولى حتى الآن بالبطش والقمع، وبتشريد هذا الشعب داخلياً وخارجياً وفي كل أرجاء المعمورة؟
كان على بوتين، الذي يحاول تسلُّق جدار مرتفع واستعادة أمجاد تجاوزتها حركة التاريخ، أن يسأل نفسه قبل أن يقول إن مصير الأسد يقرره الشعب السوري، عن أسباب احتلاله لجزء من سورية، وعن دوافع إقامة هذه القواعد العسكرية التي أقامها على الأراضي السورية، وعن مهمة الجيوش التي تم نقلها من روسيا إلى هذا البلد العربي، الذي يُفترَض أنه دولة مستقلة ذات سيادة، عبر جسر جويٍّ وفَّرته له الأطراف العراقية الموالية لإيران أكثر كثيراً من ولائها للعراق. ألمْ يقع بوتين في تناقض عجيب غريب، يمكن أن يكتشفه بسهولة أصحاب أنصاف العقول، عندما يقول: "إن مصير بشار الأسد يقرره الشعب السوري"، وعندما يقول، في الوقت ذاته، إن هدف الوجود العسكري الروسي على الأراضي السورية هو الحفاظ على هذا الرئيس وعلى نظامه؟!. أليس هذا من قبيل الضحك على ذقون الناس أو من قبيل إهانة الشعب السوري، الذي لو أن رئيسه استجاب لرغبته وإرادته لما كان بالأساس احتل هذا الموقع الذي ورثه عن والده؟ مع أن سورية يفترض أنها دولة جمهورية لا يجوز فيها أن يرث الابن أباه بعد تعديل سريع في "الدستور"، وانتخابات يعرف كل الذين شاركوا فيها أنها مجرد مسرحية مضحكة- مبكية، ومهزلة من مهازل التاريخ البعيد والقريب. ألا يعرف فخامة الرئيس بوتين أن الشعب السوري عبّر عن رأيه في هذا الرئيس وفي نظامه بعد حادثة درعا المروعة في 2011؟ ثم ألا يعرف هذا الرجل، الذي لا ينقصه الذكاء ولا تنقصه المعلومات، أن هذا الشعب أصبح، بنسبة سبعين في المئة وربما أكثر، مهجراً في الداخل والخارج، أو في أعداد الشهداء غير المعروفة أسماؤهم، أو ابتلعته مياه البحر الأبيض المتوسط... أو ينتظم الآن في طوابير بلا نهاية على أبواب وحدود لا الدول الأوروبية فقط بل كل دول الكرة الأرضية؟! إن كل الذين استمعوا لخطاب بوتين من فوق منبر الأمم المتحدة واستمعوا للتصريحات التي أدلى بها في أروقة المنظمة الدولية، حيث قال مرة، إن مصير بشار الأسد يقرره الشعب السوري، وأخرى قال إن هدف كل هذا الوجود العسكري الروسي في سورية هو الحفاظ على هذا الرئيس وعلى نظامه... لا بد أنهم اكتشفوا، بكل سهولة، هذا التناقض الكبير الذي وقع فيه رئيس الدولة التي يُفترَض أنها ورثت ما كان يعتبره "الرفاق الشيوعيون" أمجاد الاتحاد السوفياتي "العظيم"! وقال بوتين، ضمن ما قاله، إن قواته الموجودة في سورية والتي ستوجد لاحقاً لا يمكن أن تشارك في أي قتال بري ضد "داعش"... وقال أيضاً، إن هذه القوات لن تبادر إلى أي مواجهة برية مع ما اعتبره تنظيمات إرهابية، وهو يقصد المعارضة (المعتدلة) و"الجيش السوري الحر"... وهنا تثار أسئلة منها: إذاً لماذا كل هذه القواعد العسكرية... ولماذا هذا الجسر الجوي من فوق العراق الذي لم يتوقف أبداً... ما الذي تريده روسيا من كل هذا التحشيد... هل تنتظر يا ترى تفسُّخ هذه الدولة العربية وتشرذمها لتكون لها حصة "الأسد" في الدويلة الطائفية التي ستكون لها الهيمنة الكاملة على كل السواحل السورية التي تشير التقديرات إلى أنها تحوي جزءاً كبيراً من غاز البحر الأبيض المتوسط الموعود؟!