تعساً للشعر... والشعراء!

نشر في 18-07-2015
آخر تحديث 18-07-2015 | 00:01
 د.نجم عبدالكريم قلت لشاعر كبير: كيف أقدمك للقراء؟ فقال:

قل لهم: هو ذلك الطفل الذي لم يفك بعد أبجدية أسرار اللغة!... لا أقصد اللغة المتداولة والمحفوظة، وإنما أسرار اللغة التي يصبح فيها الإنسان كائناً مبدعاً، يهدرُ كالطبيعة التي تتدفق، طافحة بالبشر والفرح، والحزن والتمرد، والغربة والثورة!

قل لهم: إنني شاعر يمتلك القدرة على فك رموز تلك الأبجدية، ليتحول بها إلى كاهن أو حكيم يتلو على سمع العصور سفر أسرار لغة الكون، بعد أن آثر الكثيرون من العارفين أن يكتموا السر الذي أباحته لهم طبيعة التدفق النابض في شرايين الحياة!... فكثيرون هم أولئك الذين لاذوا بالصمت، وأتاحوا المجال للدجالين ممن لا يملكون موهبة التفاعل مع خلق واقع إنساني جديد، فأخذوا يمارسون الرقى والأدعية والصلوات الكاذبة ليطفئوا بها ذلك النور الذي يضيء دروب الحضارات الإنسانية!

قل لهم: إنني لست إنساناً منسياً ومهمشاً في متاهات التاريخ، لأنني أؤمن بأن الإنسان ليس كما هو في ذكرى التاريخ، وإنما كيف يجب أن يكون في عصره وفي كل العصور!

قل لهم: إنني أسعى إلى فك أسرار ذلك اللغز بمفاتيحه السحرية التي سيتمكن بها من فتح الخزائن المغلقة بوجه حرية الإنسان، وكرامة الإنسان.

قل لأولئك الذين يكتبون شعراً هو أشبه ما يكون:

باللغة الصلعاء كانت تضع البيان والبديع

فوق رأسها "باروكة"

وترتدي الجناس والطباق في أروقة الطغاة

في عصر الفضاء – السفن الكونية – الثورات

كان شعراء الكيدية الخصيان في عواصم الشرق

على البطون، في الأقفاص يزحفون

ينمو القُمّل والطحلب في أشعارهم،

وشعراء الحلم المأجور في الأبراج كانوا بالمساحيق

وبالدهان يخفون شحوبة ربة الشعر التي تشيخ

فوق قمة (الأولمب).

قل لهم:

وحدي احترقت! أنا وحدي! وكم عبرت

بي الشموس ولم تحفل بأحزاني

إني غفرت لهم

إني رثيت لهم

إني تركت لهم

يارب أكفاني

فلتلعب الصدفة العمياء لعبتها

فقد بصقت على قيدي وسجّاني

رحم الله صديقي: الشاعر عبدالوهاب البياتي!

back to top