تعساً للشعر... والشعراء!
قلت لشاعر كبير: كيف أقدمك للقراء؟ فقال:قل لهم: هو ذلك الطفل الذي لم يفك بعد أبجدية أسرار اللغة!... لا أقصد اللغة المتداولة والمحفوظة، وإنما أسرار اللغة التي يصبح فيها الإنسان كائناً مبدعاً، يهدرُ كالطبيعة التي تتدفق، طافحة بالبشر والفرح، والحزن والتمرد، والغربة والثورة!
قل لهم: إنني شاعر يمتلك القدرة على فك رموز تلك الأبجدية، ليتحول بها إلى كاهن أو حكيم يتلو على سمع العصور سفر أسرار لغة الكون، بعد أن آثر الكثيرون من العارفين أن يكتموا السر الذي أباحته لهم طبيعة التدفق النابض في شرايين الحياة!... فكثيرون هم أولئك الذين لاذوا بالصمت، وأتاحوا المجال للدجالين ممن لا يملكون موهبة التفاعل مع خلق واقع إنساني جديد، فأخذوا يمارسون الرقى والأدعية والصلوات الكاذبة ليطفئوا بها ذلك النور الذي يضيء دروب الحضارات الإنسانية!قل لهم: إنني لست إنساناً منسياً ومهمشاً في متاهات التاريخ، لأنني أؤمن بأن الإنسان ليس كما هو في ذكرى التاريخ، وإنما كيف يجب أن يكون في عصره وفي كل العصور!قل لهم: إنني أسعى إلى فك أسرار ذلك اللغز بمفاتيحه السحرية التي سيتمكن بها من فتح الخزائن المغلقة بوجه حرية الإنسان، وكرامة الإنسان.قل لأولئك الذين يكتبون شعراً هو أشبه ما يكون:باللغة الصلعاء كانت تضع البيان والبديعفوق رأسها "باروكة"وترتدي الجناس والطباق في أروقة الطغاةفي عصر الفضاء – السفن الكونية – الثوراتكان شعراء الكيدية الخصيان في عواصم الشرقعلى البطون، في الأقفاص يزحفونينمو القُمّل والطحلب في أشعارهم، وشعراء الحلم المأجور في الأبراج كانوا بالمساحيقوبالدهان يخفون شحوبة ربة الشعر التي تشيخفوق قمة (الأولمب).قل لهم:وحدي احترقت! أنا وحدي! وكم عبرتبي الشموس ولم تحفل بأحزانيإني غفرت لهمإني رثيت لهمإني تركت لهميارب أكفانيفلتلعب الصدفة العمياء لعبتهافقد بصقت على قيدي وسجّانيرحم الله صديقي: الشاعر عبدالوهاب البياتي!