عام جديد وأحلام قديمة
لا تزال أمنياتنا هي ذاتها تتكرر كل عام، نعيدها وننتظر أن تتحقق إن لم يكن جميعها فبعضها. وتتضاءل هذه الأحلام كل سنة حتى بتنا نخجل من تكرارها. كل عام ونحن نتوقع الأفضل، أو الأفضل نسبياً لعالمنا العربي الذي لا يستطيع أحد أن يتنبأ إلى أين يسير. أصبحت صور المآسي مألوفة حتى تبلدت أحاسيسنا، لم يعد يحرك فينا منظر مشرد أو قتيل أو غريق أي مشاعر، أصبحنا جميعاً تحت رحمة الانتظار والتمني بأن يأتي عام أفضل من سابقه، وربما بعضنا يتمنى لو أن الأمور ثبتت على ما كانت عليه، فلم تشتعل ثورة على طاغية، ولم ينهض شعب ليطالب بحرية حقيقية.في العام الذي انصرم لجأ الجميع إلى السخرية مما يحدث، فانتشرت حالة اليأس لتتمثل بأن نستخف بكل شيء وأن نضحك على أنفسنا ومن أنفسنا، أن يسيطر علينا عجزنا وخوفنا من المستقبل وما سيحدث فيه. صرنا نخاف من الكلمة، ونطارد العبارة ونسجن الرأي، ونتشدد في الرقابة على كل شيء، وكأن ذلك هو ما سينقذنا، ويعيد لنا الأمل بحياة أفضل. في كل مرة نعيد فيها حساباتنا نحصي خسائر أكبر من المرة التي سبقتها. تشتت قناعاتنا بين الخروج من الثابت أو اللجوء إليه.
انتشرت بيننا عنصرية بغيضة وطائفية نتنة، وكثرت أحزابنا وتجزأت بلداننا إلى ما يشبه الحارات المتناحرة والقبائل المتنازعة، ولجأ أغلبنا إلى الصمت على أمل إصلاح الأمور من تلقاء ذاتها. كنا نحلم بوحدة بين أقطارنا، فأصبحنا نحلم بتوحد مدننا وقرانا. عجزنا عن الوحدة الاقتصادية والثقافية والدينية التي عملنا من أجلها أعواماً طويلة، ونجحنا بسرعة خيالية في التمزق والتشرذم والعداء دينياً واقتصادياً وثقافياً. كانت أعيننا تتجه إلى عدو واحد فأكثرنا العداء بيننا حتى لم نعد نعرف من هو عدونا.في العام الجديد نتمسك بذات الحلم القديم، أن نتغلب على الخوف وأن ننجح بالعودة إلى المربع الأول، أن نكون أكثر تحضراً وأكثر مساهمة في الفعل الإنساني، أن نتابع طريق التنوير الذي قطعه أصحاب الفكر الظلامي والرجعي وعشاق الماضي، أن نقرأ التاريخ لا أن نعيشه ولا نتمثله إلا بما يليق بنا حضارياً وإنسانياً. أحلامنا البسيطة تستحق منا الأمل، ولكنها لن تأتي بمجرد انتظارنا لها.المستقبل لن يرحمنا ونحن في موقف المتفرج على ما يحدث، ولن يرحمنا العام المقبل، إذا لم نعمل معاً كأمة واحدة لها ثقافتها ودورها الإنساني في الحياة، إذا لم ننظر إلى الإنسان الذي علينا أن نسعى لبنائه. في العام الجديد للأمم أمنياتها بمزيد من الإبداع والتقدم العلمي والتطور وهي تسعى جادة لتحقيقها، ونحن نخجل من أن نتحدث عن التقدم والتطور واللحاق بالحضارة الإنسانية والعالم ينظر لنا كأمة همجية مستهلكة تتقاتل في ما بينها لتعود إلى العصور الوسطى، وتعاني مزيداً من الجهل والتخلف. أيها العام الجديد لا تعدنا بشيء لا نستحقه.