أخيراً عاد نوري المالكي رئيس الحكومة السابق، إلى العراق، بعد زيارة مثيرة لإيران استمرت أربعة أيام. وكانت مثيرة حقاً لأنها أول زيارة تثير تساؤلاً عند العراقيين: هل سيعود المالكي إلى بغداد، أم سافر هرباً من المساءلة؟

Ad

 كان في وسع هذا السؤال أن يكون، بمفرده، بمثابة علامة على طي صفحة سياسية مثيرة للأسى من تاريخ العراق، ودليلاً إضافياً على انتهاء المالكي كسياسي مؤثر. لكنه لايزال يمتلك المال الطائل، ويلتف حوله آلاف المتطوعين، «إذا لم يُردع بقوة ويُجرد من عناصر نفوذه، فسيبقى تهديداً دائماً للنظام السياسي»، هذا ما يسمعه المحللون اليوم حين يطرحون الأسئلة على ساسة بغداد وأربيل والنجف!

والحكاية بدأت حين أعلن رئيس الوزراء حيدر العبادي حزمة إصلاحات مفاجئة لامتصاص غضب آلاف المحتجين، وأول نقطة فيها كانت إقالة المالكي نائب رئيس الجمهورية، وبسرعة حظي الأمر بموافقة البرلمان ومباركة المرجعية الدينية وحماس الجمهور.

 لكن المالكي خرج ليهاجم العبادي والبرلمان، وليقول ضمنياً للمرجعية، إنه صامد ومستعد للمواجهة! وفجأة سافر إلى طهران لحضور مؤتمر عادي، لكنه حظي باستقبال كبير من بعض المسؤولين، وبوصفه نائباً لرئيس جمهورية العراق، أي أن طهران تجاهلت ما حصل من تغيير في العراق، كأنها تتحدى بغداد ومرجعية النجف التي تتبنى الإصلاحات.

لكن الأمور تغيرت بعد يوم واحد، حيث حرص الإعلام الإيراني الرسمي على استبدال صفة المالكي إلى «رئيس الوزراء السابق»، وحصل هذا بناءً على مشاورات حساسة في طهران، حاولت الإجابة عن سؤال: إلى أي حد يمكن أن نصطدم بالمرجع علي السيستاني؟

 ويبدو أنه ليس في طهران إجابة واحدة عن هذا السؤال، لكن الواضح أن الإيرانيين أدركوا حجم المناورات السياسية التي يمكن أن يلجأ إليها «الاعتدال الشيعي» الملتف حول النجف في العراق، وأن الميليشيات الملتفة حول المالكي والمباركة من الحرس الثوري الإيراني، لم تصبح بالقوة الكافية التي تتيح لها إجراء «نوع من الانقلاب» في بغداد.

 دخل المالكي بغداد غاضباً بعدما طلب من حزبه أن ينظم له استقبالاً كبيراً في المطار، لرد الاعتبار. وبما أن محازبيه الموجودين في بغداد وقعوا في الحيرة والقلق، فإن حزب الدعوة أصبح بحكم المنقسم والمنشق بين المالكي والعبادي، فلم يذهب لاستقباله سوى شخصيات مغمورة، باستثناء اسم أو اثنين. ويبدو أن ذلك ضاعف غيظه، فارتكب غلطة لا تنسى، وبدأ مؤتمره الصحافي السريع بمهاجمة الصحافة العراقية وقال: «مع الأسف، الإعلام كله سقط!»، ما آثار موجة سخرية إضافية بين وسائل الإعلام التي لا تتعاطف معه من الأساس.

ويقول المالكي لمن حوله إنه «سيؤدب العبادي وحلفاءه»، مشيراً إلى مقتدى الصدر وعمار الحكيم، زعيمي أكبر حزبين شيعيين، وهو يقصد أن لديه «مستندات ووثائق» تثبت فساد هؤلاء، وهي عبارة يحبها المالكي، وسبق أن رددها كثيراً طوال ثمانية أعوام من حكمه، وقد يسرب بعضها، لكنه، كما يعبر أشخاص نافذون، «سيشجع خصومه على تقييده وسلبه أسباب نفوذه المالي والميليشياوي، كلما تمادى في تحدي الحكومة ومرجعية النجف».