إعادة تعريف
ما يجمع بين الكويتيين هو أكثر من رابطة، وبما أن الكويت صغيرة المساحة فلا بد أن تربط أبناءها علاقات متنوعة حتى لو كانوا من أصول مختلفة، فلماذا لا تُستغل مثل هذه الروابط فيما هو إيجابي بدلا من أن تُستغل فيما هو سلبي ومدمر للبلد؟
الترابط والتقارب وصلات الدم والجيرة والصداقة والعمل هي ما يجمع الكويتيين، هذه العبارة ليست جملة في مسرحية أو خطاباً في ندوة سياسية، بل هي واقع حقيقي نعيشه حتى إن لم نرغب في ذلك.لأدلل على ما أقول أقدم نفسي كمثال، فأنا في منتصف الثلاثينيات من عمري، وأنحدر من أصول فارسية لا علاقة دم لي من قريب أو بعيد بذلك الشاب الكويتي الثلاثيني ولنسمّه خالد الذي تنحدر أصوله من المناطق الجنوبية لشبه الجزيرة العربية، ترعرعت وكبرت في منطقة مشرف بمحافظة حولي، وهو كبر وترعرع في منطقة الرقة بمحافظة الأحمدي التي لم أزرها إلا حينما بلغت العشرين من عمري. ورغم عدم وجود رابط دم أو قرابة أو جيرة فإن احتمالية معرفتي بخالد مازالت كبيرة، فقد يكون خالد درس معي بالجامعة نفسها، أو يشجع القادسية ويجمعنا المدرج، أو تعرفت عليه بالعمل، أو جمعنا منتدى إلكترونياً أو مدونة أو موقع تواصل اجتماعي، أو ينتمي إلى ذات التيار السياسي الذي أنتمي إليه، أو أن خالداً هذا شريك صديقي في مشروعه أو نسيب زميلي في العمل.القصد أنه رغم كل التباعد بيني وبين خالد فإن هناك احتمالاً كبيراً جداً بأن يجمعنا رابط ما، ويجعل منا مقربين من بعضنا، فصغر المساحة الجغرافية وقلة التعداد تجعل احتمالية تقاربنا عالية جدا مهما كنا متباعدين.وعلى الرغم من أن هذا الأمر جيد على الصعيد الاجتماعي الذي يزيد من الترابط بيننا في السراء والضراء فإننا باعتقادي نتعاطى مع هذا المبدأ، أي الترابط، بشكل سيئ ومدمّر للكويت.فهذا التقارب يجعلنا نتجاوز الأخطاء المضرة للبلد في حالات كثيرة، فكم من تجاوز للقانون تم بحجة أن فلاناً "رفيجي، يصير لي، نسيب ولد خالتي، معاي بالدوام، يلعب معاي كرة"، وكم من سكوت عن الخطأ تم لصلات التقارب السابقة وغيرها، بل إننا أحيانا نتجاوز القانون أو نغض البصر عن الأخطاء وإن كانت جسيمة كي لا يقول عنا الناس إن "فلان ما فيه خير"، فنحن نجهل كيفية الفصل ما بين العلاقات الإنسانية الاجتماعية الجميلة وبين محاربة الأخطاء، فمجرد معرفتنا بالشخص كفيلة بأن نغض النظر عن كل خطأ، وكما دللت سابقا بأن احتمالية معرفتنا ببعضنا ككويتيين عالية جداً، فهو ما يجعل تجاوزنا عن الأخطاء كبير جدا أيضا.علينا إعادة تعريف سلوكياتنا الاجتماعية وتحديد ما هو حلال أو حرام اجتماعيا بشكل واضح ومحدد؛ لتقتصر عبارات مثل "والنعم فيه ومعدنه طيب" على المساندة الاجتماعية فقط كعيادة مريض أو مساعدة مادية لمن يمر بضائقة وغيرها من أشكال اجتماعية لا تتجاوز هذا النطاق، وأن تتكرر مثل هذه العبارات أيضا لكل من يحارب تجاوز القانون، وإن كان على حساب علاقاته الاجتماعية، فمن يبلغ عن فساد أو يقف ضد التجاوز هو "فلان فيه خير" على عكس ما يقال اليوم.