الشاعر العماني علي المخمري: الشعر باق إلى الأبد
يؤكد الشاعر العماني علي المخمري أن الشعر «سيد» الأجناس الأدبية رغم سيل الإصدارات الروائية راهناً وأنه باق إلى الأبد، رافضاً، وهو ينتمي إلى جيل التسعينيات الأدبي في سلطنة عمان، مقولة «زمن الرواية». ولفت الشاعر في حوار مع «الجريدة» إلى أن كثيراً من الروايات والقصص حملت روح الشعر أو شيئاً منه، غير أنه يرى أن قصيدة النثر تواجه تحدياً كبيراً... وإلى التفاصيل.
أصدرت أعمالك الشعرية أخيراً عن دار «مسعى» البحرينية. لماذا النشر خارج عمان؟
«ترميم الأعمال الشعرية» هو جمع لأعمالي الشعرية في كتاب واحد، ويُوحي العنوان إلى إعادة الاشتغال عليها من زاوية مختلفة، حاولت فيها تجاوز هفوات وسقطات البدايات وترميم بعض النصوص بناء على تراكمية معرفية ونظرة من زاوية زمنية وفنية مختلفة دون المساس بروحها. فعل ذلك أيضاً أدونيس، خصوصاً في قصيدته «قبر من أجل نيويورك»، ورينيه شار الذي أعاد صياغة كثير من القصائد وتخلى عن ديوان كامل لم ينشره في أعماله الكاملة... مع التنويه إلى فارق تجربتي عن التجربتين.أما عن النشر في دار {مسعى} البحرينية فهو نتيجة اتفاق بيني وبين صديقي الشاعر والناشر محمد النبهان، صاحب الدار، على جمع أعمالي الشعرية في كتاب، وهي تجربة جميلة ومهمة.لماذا النشر خارج سلطنة عمان وقد أصدرت أعمالك في لبنان والبحرين والقاهرة؟ بسبب ندرة دور النشر في فترة من الفترات وضعف التوزيع. ظننت وبعض الكتاب في سلطنة عمان خصوصاً والخليج العربي عموماً أن التوجّه نحو مؤسسات نشر ذات اسم وقوة في التوزيع للأعمال سيكون فاعلاً في تشكيل مساحة جيدة لتجاربنا، لكن كان الظن خاطئاً تجاه كثير من دور لم تتعامل مع الكاتب والكتاب الخليجيين بجدية وتجاهلت تجارب مهمة توزيعاً وتسويقاً، على خلاف الاتفاق. لكن هذه النظرة تغيّرت كثيراً في الوقت الحاضر في ظل ظهور دور نشر في الخليج العربي وثورة الإعلام التقني.تنتمي إلى جيل التسعينيات الشعري في سلطنة عمان، كيف ترى خصوصيته؟كان من المفترض على هذا الجيل أن يكون جيل ترتيب الأوراق بين المتقدمين واللاحقين، ولكن في ظل ضعف الفعاليات والجدل الثقافي النقدي الحقيقي وعزلة الجيل السابق عنه، دخل هذا الجيل في حالة فوضى أخرى، على ما أعتقد، وظلت هذه التجارب تتمحور حول الفردية المنزوية إلى أقصى حالات الوحدة، مع غياب المبادرات المؤسساتية إلا من فعاليات شكلية تسعى إلى ما هو استعراضي أكثر مما هو جوهري يصبّ في جسد الثقافة. كذلك اختفت المبادرات الأهلية والشخصية لظروف مادية وأمنية وغيرها.تكتب قصيدة النثر منذ أكثر من 20 عاماً. كيف تنظر إليها حالياً وهل تواجه الجدل ذاته الذي يدور في مصر؟ الجدل الدائر حول قصيدة النثر عام في أقطار الوطن العربي، وربما يعود إلى التكوين التاريخي الثقافي الممتد عبر الأزمنة لهذه الشخصية التي تعيش ضمن حدود هذه الجغرافيا وتشربت ثقافتها المتوارثة إلى حد القداسة، ولم تتعامل مع معمل حقيقي للتجريب والاختبار والتشريح. لذلك فهي حذرة دائماً من كل جديد حتى لو جاء استجابة لواقع راهن يحتم علينا طرائق جديدة في التعبير والحياة والتعاطي مع الآخر .تحتفي أشعارك بالأسطورة، فما السبب؟ المجتمع العماني ثري تاريخياً بالمغامرات والأساطير والحكايات، بحيث صارت جارية على لسان الجدات كنهر فائض وأحدثت تأثيراً كبيراً في تكويني التربوي الثقافي. كان بعض تلك الحكايات للرعب والتخويف، للجم شقاوة الأطفال، وأخرى للتسلية والفرح أو لدفعك على الإقدام أمام تجربة ما. لذلك الاحتفاء بالأسطورة جزء من الاحتفاء بالطفولة والحكايات الملهمة التي كنت ذات يوم تتمنى أن تكون أحد أبطالها.أصدرت خمسة دواوين شعرية، فهل وصلت قصيدتك إلى منطقة ترضيك؟من المنطقة حيث أنا عليّ أن أطرح تجربتي كيفما كانت، فلا يستطيع أي مبدع أن يقدم حكماً حول تجربته ولا يعنيني الأمر كثيراً بقدر عنايتي بتسجيل تلك الحالات التي تتفجر في داخلي وسأتركها للزمن والمتلقي المتواتر مع الزمن فلهما الحكم الجازم حول أية تجربة.في إطار الحديث عن قصيدة النثر، ما التحدي الصعب أمام كُتابها؟يكمن التحدي الصعب أمام كاتب قصيدة النثر في كيفية استخراج الشعر من السياق النثري ودفع النثر إلى إنجاب قصيدة، لذا على الشاعر أن ينطلق من وعي فطري ومعرفي لكتابة نص بروح وشفافية الحاضر ليخرج القصيدة من حالات متحفية مُعلبة إلى ملامسة الحياة بنفس شعري خاص. أما عن صعوبة علاقة كاتب قصيدة النثر بالمتلقي، فهي جزء من تاريخ المبدع لأنه خارج عن المألوف والسائد ولا أعتقد بأن لهذه العزلة علاقة بالنص في حد ذاته بقدر ما هي علاقة أزلية امتدت منذ أمرئ القيس وحتى السياب والماغوط وقاسم حداد وأمجد ناصر في وسط عالم عربي غير قارئ يضاعف من هذه العزلة ويعمقها، وفي ما يتعلّق برفض البعض قصيدة النثر فإنني أعتقد بأنها رد فعل تولد مع كل جديد ومغاير للسائد، وهو ما حدث مع السياب ونازك الملائكة وغيرهما عندما ظهرت تجاربهم الجديدة.كيف تنظر إلى ظاهرة الشاعر النجم التي يقُال إنها اختفت؟أعتقد بأن نجومية الشعر ظاهرة مغلوطة بسبب دوافع أخرى لا علاقة لها بالشعر. فلو أخذنا هذه القيمة فقط (الشعر) لانقلبت المعادلة، لأن كثيراً من الشعراء الحقيقيين الذين يستحقون هذه النجومية لم ينالوها. محمود درويش مثلاً، خدمته القضية الفلسطينية في البدايات ودفعت به نجماً في الواجهة. لم يكن {الشعر} وحده العامل الأساس في نجوميته، وإنما عوامل خارجية أخرى، في حين كانت تجارب أخرى خالصة بالنسبة إلي تعاني الوحدة والعوز والتعتيم.أحمد فؤاد نجم أيضاً خدمته الجماهير المتعطشة للحرية وأغانيه مع الشيخ إمام التي ترددت في الجامعات والساحات، لذا علينا النظر إلى الشعر خالصاً ونقياً لأنه في حد ذاته {شعر} بعيد عن أية قيمة مضافة.كيف تنظر إلى الشعر في مواجهة فني القصة والرواية، لا سيما مع القول السائد بأن الشعر يتراجع؟في العالم كله الرواية هي الأكثر انتشاراً من الشعر وتُباع منها ملايين النسخ مقارنة بالإصدارات الشعرية. هو واقع فرضته معطيات عدة أشبعت نقاشاً وجدلاً، وهنا لا يهمني الدخول في سباق مع كتاب الرواية والقصة ليتقدم الشعر المشهد، بقدر إخلاص المبدع لمشروعه، خصوصاً بعد ظهور تجارب حديثة كثيرة صارت تتمازج فيها الأشكال وتندمج، فكثير من الروايات والقصص حملت روح الشعر أو شيئاً منه... لذلك كان تأكدي من أن الشعر باقٍ إلى الأبد.