كاتسوياما تحدى عمالقة «وول ستريت» وربح مليارات الدولارات
حقق براد كاتسوياما (38 عاماً) مليارات الدولارات من الاستثمارات في «وول ستريت»، كما حقق انتصاراً كبيراً على عمالقة هذه السوق المالية الكبيرة.وقد ذُكرت تفاصيل نجاحه في أحد أفضل الكتب مبيعاً، وعنوانه «فلاش بويز» للمؤلف الاقتصادي مايكل لويس، وتصلح قصته أيضاً لأن تكون سيناريو لفيلم من أفلام هوليوود، وقد اشترت بالفعل شركة «سوني بيكتشرز إنترتينمينت» حقوق إنتاجه وعرضه.بدأت قصة براد عام 2002 عندما بدأ العمل كوسيط مالي في بورصة نيويورك لمصلحة «رويال بنك أوف كندا»، وكان عمره حينها 24 عاماً.
وعند شرائه أسهماً لمصلحة زبائنه، كان براد يقع في نفس المشكلة كل مرة، فقد كانت الأمور تجري كالتالي: يشتري فريق عمله حزمة من الأسهم بسعر معين، وعندما يضغطون على مفتاح «شراء»، يكون عدد قليل فقط من الأسهم المطلوبة متوفراً للشراء بذلك السعر، بينما يرتفع سعر باقي الأسهم المطلوبة للشراء في أقل من الثانية.بعد إجراء بعض التحقيقات، توصل براد إلى أن المشكلة تكمن فيما يسمى نظام «التعاملات فائقة السرعة» المعروف اختصاراً باسم (إتش إف تي).لكن، ما هي هذه التعاملات؟ ولِمَ ينبغي علينا أن نهتم بالأمر؟هذه التعاملات، عبارة عن نظام يستعمل برامج حاسوبية معقدة للقيام بملايين التعاملات المالية والتجارية في الثانية الواحدة.وباستعمال معلومات مولّدة بسرعات تفوق أضعاف سرعة غمضة العين، يمكن لأجهزة الكمبيوتر فائقة السرعة تلك ـ والتي تستعمل برامج «التعاملات فائقة السرعة» المثبتة عليهاـ أن تقدّر القيمة المرتفعة لسعر سهم من الأسهم، قبل أن يحصل ذلك الارتفاع في السعر بالفعل. وقد مكّن نظام «التعاملات فائقة السرعة» الذي بدأ منذ عام 1999، بعض بنوك الاستثمار الضخمة وصناديق التحوّط (المَحافظ الوقائية) وغيرها من مؤسسات الاستثمار من أن تشتري أسهماً في جزء من الثانية (أو في غضون مايكروثانية، وهو واحد من المليون من الثانية) قبل غيرها من الشركات الأخرى.وبالتالي تحقق هي أرباحاً تعادل مليارات الدولارات على مدى عدة سنوات من خلال بيع تلك الأسهم بسعر أعلى.تأمل براد، الذي كان يستثمر لزبائن من أمثال صناديق التقاعد الكندية، ولم يكن ممن يستطيعون استخدام نظام «التعاملات فائقة السرعة»، وآمن بأن ذلك غير عادل بالمرّة، ثم عقد العزم على القيام بشيء لعرقلة ذلك النظام.لذا بدأ براد مع فريق من زملائه العمل لإيجاد وسيلة لتعطيل عمل نظام الأجهزة فائقة السرعة أو نظام «إتش إف تي».
مطبات السرعة
وقد ابتكروا ما يشبه «مطبات السرعة» الموجودة على الطرقات، وهي منظومة يتم عبرها إبطاء التعاملات التجارية والمالية بمقدار 350 مايكروثانية، مستعملين 38 ميلاً من أسلاك الألياف البصرية المخزونة في علبة بحجم صندوق أحذية.لا يبدو ذلك، وكأنه فاصل زمني مهم، لكنه إبطاء كافٍ لمنع الشركات التي تعتمد على أنظمة «التعاملات فائقة السرعة» من السيطرة على السوق.وعند تركه شركة «رويال بانك أوف كندا»، وبمباركة البنك، أسس براد في عام 2012 شركة سمسرة للأسهم تدعى «آي إي إكس»، التي تستفيد من نظامه الجديد الخاص بإبطاء سرعة الأنظمة فائقة السرعة التي تستخدمها بعض الشركات الكبرى لتحقيق مكاسب من خلال شراء الأسهم في جزء يسير جدا من الثانية. وبالتالي، فإن مشتري الأسهم ممن يستفيدون من خدمات شركة «آي إي إكس» لم يواجهوا المخاطر الناجمة عن اندفاع بنك استثماري لشراء أسهم معينة قبلهم.وكغيرها من شركات السمسرة، فإن «آي إي إكس» كانت تجني أرباحها من خلال الحصول على عمولة صغيرة من عملائها.ومع أن براد وزملاءه ظنوا أنهم جاءوا بفكرة رائعة، لم يكن كثيرون مهتمين في البداية. بدأت الشركة عملها في مكاتب بدون نوافذ ولا تتجاوز مساحتها 200 قدم مربع (18.5 متراً مربعاً) في وسط حي مانهاتن. وكانت الشركة بالكاد تدفع مرتبات العاملين فيها، ووجدت مشقة كبيرة لتحصل على تمويل باعتبارها شركة ناشئة. ويقرّ براد قائلاً: «أعتقد أن الفكرة بدت جنونية (للآخرين) أكثر مما ظننا في البداية». غير أن طبيعة براد التنافسية ـ المصقولة عبر سنين من ممارسة رياضة الهوكي والنسخة الكندية من كرة القدم الأميركيةـ لم تكن لتدعه يستسلم.«آي إي إكس»
ثم بدأت شركة «آي إي إكس» في النهاية في تحقيق تقدم بين المتاجرين في سوق الأوراق المالية، ممن أرادوا الخلاص من سوق تقليدية تبدو وكأنها تغشهم.لكن الدفعة الأكبر إلى الأمام لشركة «آي إي إكس» جاءت في مارس عام 2014 عندما طُرح كتاب «فلاش بويز»، من تأليف الصحافي الاقتصادي مايكل لويس، في الأسواق. وبحسب براد، غيّر ذلك الكتاب من مسار حياته، لكن الأهم أنه ساعد عامة الناس على أن يفهموا تفاصيل تلك المسألة.ولاقت الشركة، قبل طرح كتاب «فلاش بويز» في الأسواق، مصاعب جمة لاستقطاب المواهب الجديدة.ويقول براد: «توجب علينا إيجاد أناس يؤمنون حقاً بما نقوم به.»أما عندما حقق «فلاش بويز» نجاحاً كبيراً، وأصبح من بين أفضل الكتب مبيعاً، بدأت «آي إي إكس» في تلقي المئات من الطلبات، واستطاعت أن تجمع مبلغ 75 مليون دولار أميركي (53 مليون جنيه إسترليني) من عدد من المستثمرين.غير أن المكانة الأعلى، التي حصلت عليها الشركة بعد ذلك، وكذلك تقدم براد بطلب لأن تصبح شركته بورصة جديدة ومسجلة، أثارا ردود فعل غاضبة من الكثيرين في مؤسسات «وول ستريت» العريقة، والذين دافعوا عن نظام «التعاملات فائقة السرعة»، وهاجموا شركة «آي إي إكس».التعاملات الفائقة السرعة
ويقول معارضو «آي إي إكس»، إن نظام «مطبات السرعة» الذي يستخدمه براد وزملاؤه غير منصف، وخاطئ، لأنه يشوه الأسعار، كما يقولون. حتى إن الأمر وصل بجيف سبريتشر، المدير التنفيذي لشركة إنترناشينال إكستشينج، وهي الشركة المالكة لبورصة نيويورك، إلى حد تسمية نهج شركة «آي إي إكس» بأنه «غير أميركي».يقول بيل هارت، رئيس شركة «موديرن ماركتس إنسينتيف»، وهي مجموعة استثمارية مؤيدة لنظام «التعاملات فائقة السرعة»: «ينبغي على المستثمرين أن يعرفوا على الدوام السعر الحقيقي لأسهمهم. نعتقد أن إبطاء هذه العملية لن يساعد المستثمرين في أن يروا أفضل الأسعار». ورغم كل الانتقادات الموجهة لشركة «آي إي إكس»، صادقت الجهة الحكومية المسؤولة عن تنظيم قطاع الأوراق المالية، وهي «هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية»، على اعتبار الشركة البورصة رقم 13 في الولايات المتحدة الأميركية في أوائل يونيو 2016.وتتطلع بورصة «آي إي إكس» إلى أن تزدهر التعاملات التجارية عبرها بشكل مطرد، بعد أن حققت أرباحاً جيدة، رغم أن التعاملات الحالية عبرها تشكل 1.6 في المئة فقط من التعاملات التجارية والمالية في الولايات المتحدة الأميركية بشكل عام.وتتمثل إحدى المنافع العديدة لتحول شركة ما إلى بورصة رسمية، هو أن المتاجرين سيكونون ملزمين قانونياً بأن يرسلوا طلباتهم إليها، إذا كانت أسعار الأسهم المعلنة لديها أفضل من غيرها من البورصات الأخرى.«قام براد وفريقه بعمل رائع حقاً»، حسب قول جوزيف سالوزي من شركة «ثيمس للتجارة»، والمؤلف المشارك لكتاب يتناول نظام «التعاملات فائقة السرعة» في أسواق المال. ويضيف سالوزي: «لقد تلقوا ضربات من شركات ضخمة جربت شتى الوسائل بغرض كبح جماحهم، وكانت لديها الأموال ومجموعات الضغط القائمة بدورها، وبعد كل ذلك لم تغير «آي إي إكس» من نهجها العام أو فلسفتها».ويضم فريق عمل شركة «آي إي إكس» حالياً 61 شخصاً، كما طورت الشركة مكاتبها وباتت تحتل الطابق رقم 44 من «المبنى الرابع لمركز التجارة العالمي»، إحدى ناطحات السحاب الجديدة، التي بُنيت في موقع مركز التجارة العالمي القديم في الطرف الجنوبي من حي مانهاتن.