الأغلبية الصامتة: ازرعوا التشدد تحصدوا «داعش»
إن المعالجة لحالة القبول والاحتضان للفكر المتشدد لن تكون بالإجراءات التعسفية أو الخارجة عن المألوف، خصوصاً أن الحكومة لا تعرف حاليا غير الحلول الأمنية، كما أقول لمن يظن أن أوضاعنا مؤقتة، وأنها رد فعل بسبب اشتعال المنطقة في صراعات طائفية، إن العلة لدينا «باطنية» بدون مؤثرات خارجية.
من درس في جامعة الكويت واقترب من نشاطها الطلابي فسيعرف جيداً عن أي دائرة أتحدث، ومدى هشاشة المحاولات المتواضعة لوقف إنتاج واحدة من أهم خطوط إنتاج الفكر المتعارض مع الدستور والديمقراطية، وهي بالمناسبة ما زالت تعمل مثل بقية الدوائر التي تتحرك لحساب جماعة الإخوان المسلمين داخل شرايين الدولة في رد واضح على من صدّقوا وهم انتقال الكويت إلى معسكر الانفتاح والدولة المدنية.جماعة الإخوان المسلمين في الكويت تمكنت تدريجياً من إعادة صياغة العلاقة بين مجموعة من المواقع التعليمية لتكون أشبه بالدائرة التي تبدأ وتنتهي بهم؛ بما يحقق طموحهم وطموح كل جماعة أيديولوجية في الوصول إلى وزارة التربية والتعليم لتشكيل المجتمع وفق أفكارهم ورؤاهم، الدائرة بوضعها الحالي (المدرسة، كلية التربية، وزارة التربية).
الجماعة دخلوا تلك العملية بشبكتين للصيد، شبكة الدعوة وتعليم الصغار أمور الدين، وهذه في الغالب لها قبول عند أولياء الأمور، الشبكة الثانية شبكة الأدلجة والترفيع وهي لا تصطاد سوى من أبدوا التزاماً وحماساً للاستمرار مع الجماعة، وأهم حلقتين في الدائرة «الإخوانية» هما كلية التربية ووزارة التربية، الكلية كموقع حالها كأي كلية أخرى يتم فيها جذب الأصوات في انتخابات الكلية والاتحاد، وتأهيل من يصلح منهم للعمل مع الجماعة بعد التخرج، وكذلك كسب تأييد ذوي الحظوة الاجتماعية عائليا وقبليا، لكنّ ما جعل تلك الكلية تبدو كجوهرة التاج هي أنها مصنع المعلمين الذين سيهبطون على مدارس الدولة، وسيتعاملون بفكرهم الإخواني مع عقول الطلبة الطرية. هكذا هو الوضع إذاً، الدولة تصنع بيدها الرصاص الذي سيقتلها، وكل التمثيليات بتعيين وزراء محسوبين على الفكر الديمقراطي هي مجرد معالجات «فوقية» لم ولن تصل حتى الآن إلى تحقيق الأجدر والمستحق، وهو الانسجام التام بين الدستور وما يحمله من هوية، وبين التعليم وما يحمله من مسؤولية في خلق جيل متسامح يحترم العلم ويقدّس الاختلاف.إن المعالجة لحالة القبول والاحتضان للفكر المتشدد لن تكون بالإجراءات التعسفية أو الخارجة عن المألوف، خصوصاً أن الحكومة لا تعرف حاليا غير الحلول الأمنية، كما أقول لمن يظن أن أوضاعنا مؤقتة، وأنها رد فعل بسبب اشتعال المنطقة في صراعات طائفية، إن العلة لدينا «باطنية» بدون مؤثرات خارجية؛ لأننا وبلا فخر وبالعلن تصدرنا قوائم الإرهاب الدولي منذ أيام التطبيق القديم جداً لمسمى «تنظيم القاعدة».إن المطلوب، وهذا غير متوافر حاليا، إدارة عامة كفؤة تنظر للأزمة بشكل شامل، وتعيد استزراع الثقافة المتسامحة بزخم وثبات عبر إعادة الاعتبار لجميع المؤسسات الرسمية المعنية بتخليق الثقافة والفنون تمويلاً ورعاية، والنأي بتلك المؤسسات الحيوية عن سياسة المحاصصة ورفع الرقابة عنها لتنطلق الطاقات الإبداعية فيها بكل اتجاه، لكسر القوانين السميكة التي جمدت عروق المشاريع الكبرى، وعطّلت فرص خلق تحديات للشباب الكويتين كي ينشغلوا ببناء مستقبلهم في وطنهم.في النهاية سيبقى العبء الأكبر على وزارة التربية في كسر قوقعة العزلة والالتحاق بركب السياسة العامة للدولة– إن وجدت– والانفتاح على أفضل المناهج والوسائل التعليمية، ومن دون ذلك لا تشتكوا من التشدد ولا تبحثوا عن منابعه وهو تحت أقدامكم، ازرعوا التشدد تحصدوا «داعش» وازرعوا التسامح تحصدوا التعايش.