قبل ثلاثة أيام استغرب العراقيون ظهور دبابات في قلب العاصمة العراقية فجرا، رغم أن الحكومة تقول انه مجرد تمرين عسكري سيستمر يوميا، استعدادا لاستعراض مقرر اليوم، ورغم التطمينات الرسمية فإنه يمكن رصد أعلى درجات التوتر في بغداد بعد خلاف حاد حول تعديل وزاري منذ فبراير الماضي، تستمر تداعياته بنحو غير مسبوق منذ سقوط النظام السابق.

وأخطر ما في المشهد هو طريقة مقتدى الصدر في إدارة الاحتجاجات الشعبية المطالبة بإصلاحات عاجلة ومحاسبة فاسدين كبار، والتفنن في صناعة الحماس والإثارة، إلى درجة الاقتراب من حافة الهاوية واقتحام جمهور الصدريين المتكرر لمقر الحكومة والبرلمان قرب محيط السفارات المهمة في المنطقة الخضراء، بحيث إن هناك هلعا رسميا من تظاهرات الصدر المزمعة الجمعة، لكن آخرين يقولون إن عقلاء البلاد لا يخافون من الصدر فحسب، بل يخافون عليه أيضا، لأنه حليف تقليدي منذ أعوام، داخل التيار الشيعي الذي يحاول كبح جماح الفصائل الموالية لإيران، وكان يقترب بمواقفه من اعتدال المرجع الأعلى السيستاني في النجف، ويؤسفهم أن التطورات الأخيرة أحدثت شرخا مفصليا في هذا المعسكر، وجعلت كفة طهران أقوى في ملفات عدة.

Ad

وقدم الصدر دعما سياسيا كبيرا وإسنادا عسكريا نوعيا لرئيس الحكومة حيدر العبادي وجيشه، طوال عامين من الحرب ضد داعش، في الجبهات وداخل المدن، لكن العبادي وهو القلق من اقتحام دراماتيكي جديد لمقر الحكومة، طلب من الجيش أن ينظم استعراضا في بغداد، وخصوصا في ساحة التحرير، المكان التقليدي للتظاهرات، والذي لا يفصله عن المنطقة الخضراء سوى جسر.

وبتعبير آخر فإن الجيش سيقوم بـ"مصادرة الجمعة" واخذها من الصدر، محاولا منعه من تنظيم التظاهرة، وبدأ الجند عصر الأربعاء بنصب خيام في هذه المنطقة واخذ مواقعهم، ولوحظ معهم عناصر من الحشد الشعبي الشيعي.

وكان الصدر دخل بغداد ليل الثلاثاء مرتديا الزي العسكري، وزار منطقة الكرادة التي شهدت تفجيرات مأساوية مؤخرا، وسبق ذلك بث فيديو نادر لاجتماعه بقادته العسكريين متحدثا عن التضحية والموت وعن خطورة خصومه، إلى درجة أن أتباعه بدأوا شراء الملابس العسكرية لارتدائها أثناء التظاهرات، ما دفع زعيم التيار الصدري الى نشر بيان يطلب فيه منهم عدم ارتداء الزي العسكري والتأكيد على سلمية التظاهرات.

ومجمل المشهد ينتج خوفا من حصول تصادم اذا بدأ لن ينتهي بسهولة، رغم انه من المرجح ان ضباط الجيش لن يتورطوا في دخول مواجهة مع جمهور الصدر، ما قد يجعل العبادي يستعين ببعض الميليشيات لإسناد قواته إن حصل تصادم.

وتتوقف المصادر العراقية كثيرا عند هذه النقطة، وترثي لحال الحكومة التي قد تجد نفسها مجبرة اليوم وبنحو غير منطقي، على الاستعانة بفصائل ميليشياوية بعضها مقرب من طهران، لمنع الصدر من ارتكاب خطأ قاتل، بينما كانت حتى قبل بضعة أشهر تستعين بالصدر نفسه وبنحو منطقي نسبيا، لكبح جماح الميليشيات خصوصا داخل بغداد.

وأصعب ما في الأمر ان العبادي يحقق تقدما في الحرب على "داعش" غربا وشمالا، وهو غير قادر على الانشغال بأزمة قد تصيب بغداد بالشلل، وتشغل القطعات العسكرية بحماية مقرات الحكومة، وتخلق موانع أكبر لتذويب الجمود السياسي في البلاد.

على صعيد آخر، قال وزير الدفاع العراقي خالد العبيدي أمس إن القوات الحكومية التي تتقدم صوب مدينة الموصل الواقعة تحت سيطرة تنظيم داعش، حيث استعادت قرية إجحلة شمال قاعدة القيارة من قبضة التنظيم أمس الأول، لتلتحم بوحدات عمليات تحرير نينوى في مخمور، وهي قوات انطلقت في مارس الماضي من مخمور، التي تبعد 25 كيلومترا شرقي نهر دجلة.

وقال متحدث عسكري إن المناطق التي تمت استعادتها في الفترة الأخيرة لاتزال بحاجة إلى تأمين في ظل تحصن عناصر "داعش" في عدد من المدن وراء الخط الأمامي للقوات الحكومية.

ودعا العبيدي أهالي مدينة الموصل إلى الوقوف الى جانب القوات العراقية في معركة تحرير الموصل، وقال في خطاب إلى أهالي مدينة الموصل: "ليكن الأحبة في الموصل على يقين كامل وعقيدة راسخة وجيشهم وقواتهم الأمنية اقتربت من تخوم الموصل وباتت قاب قوسين أو ادنى منها تتوق لمعركة الفصل فيها".

وأضاف: "جيشكم جاء لتحريركم ولا تلتفتوا الى إشاعات المغرضين والمرجفين، فالهدف هو تحريركم وحفظ دمائكم وسيسحق الدواعش على أرض الموصل مثلما سحقوا في الفلوجة والقيارة".

في غضون ذلك، قالت مصادر أمنية وطبية إن 7 أشخاص على الأقل قتلوا وأصيب 11 عندما فجر انتحاري سيارة ملغومة أمس عند نقطة أمنية شمالي بغداد، في ثاني تفجير بمنطقة الرشيدية خلال يومين.

وكان انفجار مماثل وقع في الرشيدية أمس الأول، ما أسفر عن مقتل 9 أشخاص.