قضية رفع أسعار البنزين ليست مشكلة في حد ذاتها، ولكن هذا الإجراء سيتبع بقرارات جديدة وإضافية منها الرسوم والضرائب ورفع أسعار الماء والكهرباء والسلع التموينية وغيرها، الأمر الذي سيرهق كاهل المواطن الذي اعتاد نمطاً مرفهاً من العيش تحت شعار اقتسام الثروة على مدى أكثر من نصف قرن.

Ad

رفع الدعم الحكومي عن بعض السلع والخدمات، وإن كانت أساسية للمواطن وتحمله زيادة ارتفاع أسعارها، قد يكون ضمن سياسات اقتصادية إجبارية لمواجهة مشاكل جسيمة، وفي إطار الإصلاحات الجذرية في المالية العامة للدولة، كما تتطلب هذه الإصلاحات قرارات حاسمة وشجاعة تشمل أركان النظام الاقتصادي، وأحياناً لا مناص من مثل هذه الإجراءات التي تعرف بالتقشف أو شد الحزام، ومن صور ذلك رفع أسعار الوقود الذي تم اتخاذه قبل نهاية عام 2015 بيوم واحد.

قضية رفع أسعار البنزين ليست مشكلة في حد ذاتها، ولكن هذا الإجراء سيتبع بقرارات جديدة وإضافية منها الرسوم والضرائب ورفع أسعار الماء والكهرباء والسلع التموينية وغيرها، الأمر الذي سيرهق كاهل المواطن الذي اعتاد نمطاً مرفهاً من العيش تحت شعار اقتسام الثروة على مدى أكثر من نصف قرن لم يخلُ في العديد من المناسبات من التمنن والمعايرة الحكومية وعبارات "حمدوا ربكم" و"شوفوا غيركم"، والدولة الأبوية والرعوية التي "تدلّل" أبناءها من المهد إلى اللحد!

المشكلة الحقيقية تكمن في الشرعية الشعبية للحكومة، وكذلك مجلس الأمة للتصدي إلى اتخاذ قرارات صعبة قد تغيّر مسار الدولة وشخصية المواطن، ومدى الاطمئنان إلى المسؤولين في السلطتين، الحكومة بقراراتها وأدائها، والمجلس بحزمه الرقابي وقدرته التشريعية، والوثوق بأهلية إدارتهم للأزمات الحادة ومراعاة حالة المواطن البسيط.

المصداقية الكبرى في رفع الأسعار والتقشف تكمن في مدى تحوّل الحكومة إلى قدوة ونموذج للإصلاح، فهل تقشفت الحكومة في مصاريفها وهدرها للمال العام وتوزيع الهبات والملايين للخارج قبل البدء بالناس؟ وهل حاسبت الحكومة سراق المال العام على مدى سنوات طويلة وأصحاب المناقصات الفاشلة والتحويلات المالية الخاصة قبل رفع قيمة البنزين في حين أن النفط وصل سعره إلى دون الثلاثين دولارا؟ وهل سألت الحكومة نفسها لماذا بعد ستين سنة من بيع النفط واحتلالنا للمراكز الأولى كأغنى الدول، يكون إجمالي الاحتياط العام للدولة 42 مليار دينار فقط؟ وهل اهتمت الحكومة أصلاً بتنويع مصادر الدخل بسبب خطورة الاعتماد الكلي على النفط الخام؟ وهل يمكن الوثوق بحكومة لا تعرف كيف تصدر مرسوم ضرورة وتضع الدولة على كف عفريت بإدارة الشأن العام وحل المشاكل العويصة من خلال رفع الأسعار؟ الحكومة التي اتهمت بعض المواطنين بالانقلاب على السلطة بعد المطالبة بحكومة منتخبة يفترض أن تعلم أن فرض الضرائب والرسوم وتحرير الاقتصاد من أبجديات ومتطلبات الحكومة الديمقراطية المنتخبة، فإن كانت تعلم ذلك فلماذا شككت وضربت ولاء الناس وطعنت في وطنيتهم؟ وإن كانت لا تعلم أسس الديمقراطية الشعبية فالمصيبة أكبر في إدارتها شؤون البلاد والعباد!

أما تجاربنا مع المجلس الأمة في الدفاع عن حقوق المواطن فتعني ببساطة "اقبض من دبش"! فهذا المجلس الذي ضيق على الحريات العامة، وأخمد أنفاس الناس، وقيدهم باتفاقيات أمنية خارجية لا يستبعد أن يخرم جيب المواطن أيضاً ومباركة الحكومة على فرض المزيد من الرسوم، إن لم يزايد على الحكومة أصلاً، وكيف يتوقع أداء البعض الذي ضمن مستقبله وأولاده من الإيداعات المليونية أن يستشعر معاناة المواطن الغلبان! لذا لا نستغرب في الكويت أن يذهب فائض الميزانية إلى جيوب الأغنياء في حين يتم سداد العجز من جيوب الفقراء!