هناك مثل يقول: "الله يُموِّتْ جمل حتى يتعشَّى واوي"، وحقيقة ان هذا المثل ينطبق على الذين استغلوا حدثاً جللاً هو العدوان الإسرائيلي على المسجد الأقصى ليذكِّروا "الناس" بأنهم مازالوا موجودين، و"أنَّ لهم في كل عرسٍ قرصاً"، وأنهم كعادتهم قادرون على ركوب أي موجة وطنية، والمزايدة على من أيديهم في النار فعلاً، الذين يعتبرون أن دفاعهم عن القدس والشعب الفلسطيني واجب ديني ووطني وقومي، عكس "هؤلاء" الذين لم ينجزوا على مدى مسيرتهم الرديئة الطويلة سوى الاستعراضات الدعائية، والتشويش على من هُمْ في مواقع الفعل والمسؤولية.

Ad

     فوراً وما انْ جدد الإسرائيليون استهدافهم للمسجد الأقصى والقدس الشريف حتى بادر "هؤلاء" إلى نفض الغبار عن أنفسهم، والمسارعة إلى إعداد لائحة طويلة من المزايدات والقصد, بالإضافة إلى تذكير "عباد الله الصالحين" بأنهم مازالوا موجودين, والمزايدة على من هُمْ في مواقع المسؤولية، والسعي كالعادة إلى إحراجهم حتى باستغلال قضية مقدسة من المفترض أنها فوق المزايدات، وفوق كل محاولات الاصطياد في المياه العكرة، وفوق القضايا الخاصة الحزبية وغير الحزبية.  

     إن ما يحتاج إليه الأقصى الشريف، وما تحتاج إليه القدس، وتحتاج إليه القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني هو العمل الجاد، ووحدة موقفٍ عربي وفلسطيني، واستقطاب ضغط فعلي على المحتلين الإسرائيليين من خلال مجلس الأمن والأمم المتحدة، ومن خلال الدول الكبرى الفاعلة والمؤثرة، لا من خلال المسيرات الاستعراضية، التي لو أنها تحقق إنجازات فعلية وحقيقية لما كانت إسرائيل قامت بالأساس، ولما استطاعت احتلال شبرٍ واحد من فلسطين، ولما تجرأت على القيام بما تقوم به الآن.

     جميل وضروري إشعار العالم بالغضب العربي والإسلامي والمسيحي على ما تفعله إسرائيل في القدس، وما تحاول جعله أمراً واقعاً في المسجد الأقصى، لكن بشرط ألَّا يكون هذا بهدف المزايدة على الأردن الرسمي، باعتبار أن له الوصاية على ثالث الحرمين الشريفين، وعلى المدينة المقدسة، وبشرط ألَّا يكون القصد إحراج الدولة الأردنية، وإظهار أنها لا تقوم بواجبها الوطني والقومي، مع ان "هؤلاء" يعرفون كم قدَّم هذا البلد بشعبه وقياداته للقضية الفلسطينية، التي هي قضية أردنية لاسيما من شهداء: "والجود بالنفس أقصى غاية الجود"، وهنا فإن ما ينطبق على الأردن ينطبق على العديد من الدول العربية.

     ولعل ما يؤكد أن لـ"هؤلاء" موالاً لا علاقة له لا بفلسطين، ولا بالقدس، ولا بالمسجد الأقصى، أنهم لا يجدون "ما يكبُّون عليه شرهم" إلَّا اتفاقية وادي عربة، مع ان إخوانهم في الرضاعة السياسية، أي قادة حركة "حماس"، ينخرطون الآن في مفاوضات مع إسرائيل, تشير المعلومات كلها إلى أنهم "قطعوا" حتى الآن ثلاثة أرباعها, لإنجاز هدنةٍ لخمسة عشر عاماً فأكثر، يعود الإسرائيليون بموجبها إلى قطاع غزة من خلال العودة إلى مينائها الموعود، وإلى مطارها الذي كان افتتحه الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون، بحضور أبوعمار، رحمه الله، الذي كان قال فيه "الإخوان" المسلمون و"إخوانهم" أكثر مما قاله مالك في الخمر.

     وبالطبع فإن "هؤلاء" ليسوا وحدهم، فهناك "مزايدون" آخرون دأبوا على تشويه العرب وشتم الأمة العربية، وكل هذا رغم أن العرب المقصودين يقاتلون الآن على الجبهات الساخنة، لوقف التمدد الشعوبي الذي يستهدف هذه الأمة، ويستهدف منطقة الخليج العربي على وجه التحديد.