«الدستورية»: القانون لم يمنع الاختلاط بين الجنسين في القاعات والمباني ويكفي تخصيص أماكن لكل فئة
أكدت أنه يتناسب مع الحياة العملية للمجتمع ويتفق مع القيم الإسلامية
بينما رفضت المحكمة الدستورية أمس، برئاسة المستشار يوسف المطاوعة، وعضوية المستشارين محمد بن ناجي وخالد سالم وخالد الوقيان وإبراهيم السيف، الطعن على قانون منع الاختلاط في الجامعات والمعاهد، أكدت عدم اشتراط القانون تخصيص قاعات دراسية ومبان للإناث والذكور، لافتة الى أنه يكفي تخصيص أماكن في القاعة الواحدة للذكور وأخرى للإناث، ما يعني فعليا السماح للجنسين بالاختلاط في ذات المباني والقاعات.وشددت المحكمة على أن عدم توفير مناهج دراسية للطلاب وأخرى للطالبات يسمح بالطعن عليها أمام القضاء الإداري، وأن ذلك لا يصلح أن يكون سببا للطعن على عدم دستورية القانون، كون النصوص الواردة فيه، رغم ما تتضمنه من عيوب في الصياغة، تنظيمية وتوجيهية.
الأصول العامةوقالت المحكمة، في حيثيات حكمها، إن «الأصول العامة المقررة في قانون المرافعات أن التدخل في الدعوى إما أن يكون انضماميا لمساعدة أحد أطرافها، أو للدفاع عن حق للمتدخل هو ذات الحق المطالب به، أو يكون تدخلا اختصاميا ليتمسك المتدخل في مواجهة أطرافها بحق خاص به مرتبط بهذه الخصومة أو بمحلها».وأضافت: «كما أن للمحكمة ولو من تلقاء نفسها أن تأمر بإدخال من ترى إدخاله لمصلحة العدالة او لإظهار الحقيقة، اذا كان الغرض من ذلك الحصول على حكم في مواجهته، أو جعل الحكم حجة عليه، أو إلزامه بتقديم أوراق في حوزته».وتابعت: «أنه وإذ كانت تلك هي صورة التدخل في الدعوى بصفة عامة، فإنه لا يتصور لا واقعا ولا قانونا التدخل اختصاميا او انضماميا في الطعون المباشرة الدستورية الموجهة اصلا الى التشريع ذاته، أو القول بإمكان المحكمة إدخال خصم فيها ليصدر الحكم في مواجهته، بحسبان أن نطاق الطعن المباشر من ناحية أشخاصه وموضوعه يتحدد -بعد قبوله- بما جاء بصحيفته شكلا وموضوعا، دون تجاوز هذا النطاق».طلب غير مقبولوزادت: «فضلا عن ان الأحكام الصادرة عن هذه المحكمة في المنازعات الدستورية لها حجية مطلقة تنسحب آثارها الى الكافة، كما تلتزم بها سلطات الدولة جميعها، وبالتالي فإن طلب كل من احمد عبدالرحمن أحمد الحشاش وعبدالله عادل جاسم العبيد ودويم فلاح المويزري، بصفته وليا على ابنته غالية، التدخل في الطعن -كخصوم منضمين إلى الحكومة– يكون غير مقبول، وهو ما تقضي به المحكمة».واشارت الى انه «وحيث إن المادة الأولى من القانون رقم 24 لسنة 1996 بشأن تنظيم التعليم العالي في جامعة الكويت والهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب والتعليم في المدارس الخاصة، تنص على انه (في سبيل الوصول إلى الوضع الشرعي الأمثل تقوم الحكومة خلال مدة لا تتجاوز خمس سنوات من تاريخ العمل بهذا القانون بتطوير المباني القائمة لكليات ومعاهد ومراكز جامعة الكويت، الهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب بما يضمن منع الاختلاط، بوضع أماكن خاصة للطالبات في المباني وقاعات الدرس والمختبرات والمكتبات والأنشطة والخدمات التربوية والإدارية وجميع المرافق، على ان تلتزم عند تصميم المباني التي تستحدث بالمتطلبات السابقة)».واردفت: «كما تنص المادة الثانية من ذات القانون على أن (تقوم الجامعة والهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب بتطوير أنظمتها والشروط اللازم توافرها في اللباس وقواعد السلوك والنشاط الطلابي بها بما يتفق والقيم الإسلامية)، وتنص المادة الثالثة على أن (تصدر وزارة التربية القرارات المنظمة لعمل المدارس الخاصة بما يتفق والأهداف العامة للتربية بالكويت ويتلاءم مع القيم الإسلامية)، وتنص المادة الرابعة على أن (يقدم وزير التربية وزير التعليم العالي لمجلس الأمة كل سنة تقريرا متضمنا بيانا للخطوات التنفيذية التي تمت تطبيقا لأحكام القانون)».تكافؤ الفرصوبينت المحكمة انه «وحيث إن مبنى النعي على نصوص القانون سالف الذكر -حسبما ورد بصحيفة الطعن- أن هذه النصوص قد أخلت بمبدأي المساواة وتكافؤ الفرص، وأهدرت الحق في التعليم، إذ أقامت تفرقة بين الطلاب والطالبات في كليات ومعاهد ومراكز جامعة الكويت والهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب وفي المدارس الخاصة، والتوجيه بتخصيص أماكن خاصة للطالبات في المباني وقاعات الدرس والمختبرات والمكتبات لضمان منع الاختلاط، وما ترتب على ذلك من قيام إدارة الجامعة بتخصيص شعب دراسية للطالبات وأخرى للطلاب، وحرمان الطلبة من الالتحاق بالشعب الدراسية التي يرغبون في الدراسة بها في حالة عدم وجود أماكن متاحة في الشعب الخاصة بالطلبة، أو إلغاء تلك الشعب لعدم التحاق العدد الكافي من الطلبة بها، وعدم السماح لهم بالالتحاق بالشعب الممثلة الخاصة بالطالبات على الرغم من وجود أماكن شاغرة بها، ما يعد إهدارا لحقهم في التعليم وحقهم في اختيار التخصص الذي يناسب مؤهل كل منهم ورغباتهم العلمية».ولفتت الى انه «كما قصر القانون تطبيق حكم منع الاختلاط على كليات ومعاهد ومراكز جامعة الكويت والهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب دون غيرها من المؤسسات التعليمية الأخرى والجهات الحكومية المختلفة، فضلا عن ذلك فقد جاء القانون المطعون فيه مشوبا بالانحراف في التشريع، ومنطويا على إخلال بالشروط والضوابط المحددة في سن التشريعات، اذ جاءت عباراته مشوبة بالغموض وعدم الوضوح مما يتنافى مع ضوابط صياغة النصوص التشريعية التي ينبغي ان تكون محكمة واضحة لا يداخلها لبس او غموض حتى لا يكون هناك مجال للاختلاف حول تأويلها أو تفسيرها».مخالف للواقعكما أن هذا القانون لا يعبر عن واقع المجتمع الكويتي الذي جبل على المحافظة على القيم والمبادئ الإسلامية حتى استقرت في وجدان أبنائه جميعاً، فلا محل لوصم فئة منهم- هم الطلبة في الكليات والمعاهد الحكومية – بعدم الالتزام بتلك القيم والمبادئ، ووضع نص يلزمهم باحترامها. وأوضح القانون أن ما ورد به لضمان منع الاختلاط إنما هو في سبيل الوصول الى الوضع الشرعي الأمثل، في حين أن الاختلاط المنهي عنه في الشرع هو الاختلاط غير المشروع الذي يتمثل في الخلوة بانفراد الرجل بالمرأة، أما الاختلاط المشروع فهو يجري في المجتمع بأسره، وفي جميع الأماكن العامة وأماكن العمل، دون مساس بالقيم والمبادئ الإسلامية. فضلا عن أن تطبيق هذا القانون يترتب عليه إنفاق أموال طائلة من ميزانية الدولة في إقامة المباني والمنشآت لتخصيص أماكن منفصلة للطالبات في قاعات الدرس وغيرها، مما يعد إهدارا للمال العام للدولة وتبديد لثروتها الأمر الذي يكون معه القانون قد خالف المواد (7) و(8) و(13) و(14) و(17) و(29) و(40) من الدستور.ولفتت المحكمة الى هذا النعي - في جملته - مردود، ذلك أن الحق في التعليم الذي كلفه الدستور في المادتين (13) و(40) منه، فحواه أن يكون لكل مواطن الحق في أن يتلقى قدرا من التعليم يتناسب مع مواهبه وقدراته، وأن يختار نوع التعليم الذي يراه أكثر اتفاقا مع رغباته وملكاته، وذلك كله وفق القواعد التي يتولى المشرع وضعها تنظيما لهذا الحق، بما لا يؤدي الى مصادرته أو الانتقاص منه، وعلى ألا تخل القيود التي يفرضها المشرع في مجال هذا التنظيم بمبدأي تكافؤ الفرص والمساواة لدى القانون.الوضع الأمثل وإذ استهل بعبارة انه في سبيل الوصول الى الوضع الشرعي الأمثل تقوم الحكومة خلال مدة لا تتجاوز خمس سنوات بتطوير المباني القائمة، بما يضمن منع الاختلاط بوضع أماكن خاصة للطالبات...، هذا النص لا يمكن وصفة بأنه يتضمن حكما موضوعيا محددا، وإنما يعتبر وفقا لمضمونه من النصوص التوجيهية، التي ترد مورد الإرشاد والتوجيه، والتي لا يقصد بها الإلزام والوجوب، هو ما يصدق أيضا على ما جاء بنص المادة الثانية من القانون ذاته.وهذا الأمر إنما يجد صداه في ما أوردته المذكرة الإيضاحية للقانون في هذا المقام، بأن هذا القانون قد جاء تعبيرا عن توجه الدولة نحو تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية في جميع أوجه الحياة، ووضع مؤسسات التعليم العالي في موقع الريادة في استحداث النظم التي تحقق التوازن المنشود بين متطلبات الحياة في ضوء الواقع المتغيرة والمتجدد من جهة، والأحكام الشرعية من جهة أخرى.وبالتالي فإنه لا يتصور ان تكون إرادة المشرع قد اتجهت- في إطار هذا النص المجمل القائم- الى ترك القائمين على تطبقه وتنفيذه بتقصى الوضع الشرعي الأمثل غير المقنن، مما قد يفضي الى الاضطراب والتناقض حول هذا الشأن وفق اختلاف وجهات النظر الفقهية، ولاسيما أن الاختلاط أصلا – وفي حد ذاته – من المسائل الاختلافية التي لا تضبطها نصوص شرعية مقطوع بها في ثبوتها أو دلالتها، وتباينت آراء الفقهاء بشأنها. الأمر الذي يغدو معه واضحا أن النص المطعون عليه – في ذاته لم يتضمن أي مساس بالحق في التعليم، اذ لم يضع قواعد بشأنه ترتكز على أسس منبته الصلة بطبيعة هذا الحق وأهدافه ومتطلبات الدراسة بتلك المؤسسات التعليمية، أو يفرض أي قيد ينتقص منه أو يمنع النفاذ اليه. فضلا عن أن هذا المحكمة لا تنظر إلا في مدى دستورية التشريع المطعون عليه بعدم الدستورية، ولا شأن لها بما قد يترتب على تطبيقه من آثار، وبالتالي فإن القول إنه قد يترتب على تطبيقه إنفاق مبالغ طائلة تتحملها ميزانية الدولة، لا يعد ذلك عيبا دستوريا، بل هو أمر مرجعه الى السلطة التشريعية، وشأن من شؤونها، وأن هذا المحكمة لا تتجاوز وظيفتها القضائية- بمعاييرها وضوابطها- إلى وظيفة التشريع.مبررات الطاعنين... ودستورية القانون أوضحت المحكمة الدستورية وما ساقه الطاعنون في أسباب طعنهم من أن تطبيق حكم منع الاختلاط أدى الى حرمانهم من الالتحاق ببعض الشعب الدراسية وتأخير دراستهم، فإن هذا الأمر إنما يتعلق بتطبيق القانون المطعون فيه، ولا يكشف بذاته عن عيب دستوري، وهذه المحكمة – وعلى ما سلف- لا شأن لها بكيفية تطبيق القانون، ولا بما يظهر عند ذلك من قصور ومثالب، خاصة أن القانون لم يحدد كيفية تحقيق الفصل بين الطلبة والطالبات في المباني وقاعات الدرس.ولم يستلزم ان يكون ذلك احتجابا تاما للطالبات عن الطلبة، إذ يكفي لتطبيقه وضع أماكن خاصة للطالبات في قاعات الدرس ذاتها. فضلا عن أن ما تصدره إدارة الجامعة من قرارات تتعلق بالشعب الدراسية وتنظيم الالتحاق بها، لا تعدو أن تكون قرارات إدارية تخضع لرقابة القضاء الإداري، وهي رقابة تنبسط على تلك القرارات الإدارية – التنظيمية منها والفردية – استظهارا لمدى انضباطها داخل أطر الشرعية، وذلك بوزنها بميزان القانون ومقتضيات المشروعية.فإذا تبين للقضاء الإداري استواء القرار صحيحا أجازه وثبته على أصل صحته، أما اذا تبين له اختلال أحد أركانه او مجاوزته مقتضيات المشروعية ألغاه وأزال آثاره ولا ينال من ذلك جمعية القول إن عبارات القانون جاءت مشوبة بالغموض وعدم الوضوح، فضلا عما ورد به من عيوب في الصياغة، أو القول إن القانون ينطوي على وصم طلبة الجامعة بعدم الالتزام بالقيم والمبادئ الإسلامية، ذلك أن غموض النصوص التشريعية، غير الجزائية، اذا كان يعيبها، قد يستدعي النظر في تعديلها من السلطة التشريعية إذا كانت غير وافية بالمرام ولإصلاح ما بها من عيوب، إلا أن ذلك لا يصمها بعدم الدستورية ولا يصلح سبباً للطعن فيها.كما أن القانون لم يتضمن وصما لأحد بمخالفة القيم والمبادئ الإسلامية، بل هو يسعى – بحسب الظاهر- الى محاولة تحقيق التوازن بين مقتضيات الحياة العملية، وتلك القيم والمبادئ بما يتفق مع واقع المجتمع الكويتي والتزامه بالأحكام الشرعية مع عدم المساس بحريته الشخصية المكفولة وبالترتيب على ما تقدم، يضحى الادعاء بمخالفة التشريع المطعون فيه لأحكام المواد (7) و(8) و(13) و(14) و(17) و(29) و(40) من الدستور على غير أساس، متعينا القضاء برفض الطعن.الرقابة القضائية لـ «الدستورية»أشار حكم «الدستورية» إلى ان الرقابة القضائية التي تمارسها المحكمة على دستورية التشريعات هي رقابة ذات طابع قانوني مجرد، تقتصر على المسائل الدستورية، وينحصر مجالها في التحقق من مطابقة أو عدم مطابقة التشريع لنص في الدستور من دون تجاوز لظاهر التشريع، ولا تمتد هذه الرقابة الى البحث عن مدى ملاءمة التشريع أو عدم ملاءمته، والتي تعتبر من أكثر مظاهر السلطة التقديرية خصوصية للمشرع، كما لا تستطيل تلك الرقابة إلى البحث والتنقيب عن النوايا والبواعث التي عساها أن تكون قد دفعت السلطة التشريعية الى إقراره بالصيغة التي صدر بها.وقالت المحكمة في حكمها:لما كان ذلك، كان من المقرر- وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة- أن أحكام الشريعة الإسلامية مجردة لا تكون لها قوة إلزام القواعد القانونية إلا إذا تدخل المشرع وقننها، وليس لها قوة النفاذ الذاتي والمباشر، وإنما يتعين أن يتم إفراغها في نصوص تشريعية محددة، ومضمون تشريعي محدد يمكن أن يلتزم به كل من المخاطبين بأحكامه والقائمين على تنفيذه وتطبيقه، ولا يتسنى تبعا لذلك مساواتها في الحكم بالنصوص الموضوعية، فالنص الموضوع يكون نافذاً بذاته في ما تضمنه من أحكام موضوعية، وبالتالي فإن النص في المادة الأولى من القانون المشار إليه.