تقرير اقتصادي : خصخصة الأندية... أولها تجاوز الحكومة للجهة المختصة
تخطت الجهاز الفني لبرنامج التخصيص الذي أسسته أخيراً
التحدي في الرياضة لا ينحصر في مجرد تحويل ملكية النادي من قطاع عام إلى خاص فحسب، بل في خلق نموذج سليم للرياضة الكويتية التي طالما عانت إخفاقات وتراجعات.
مع تكليف مجلس الوزراء في جلسته الأسبوعية الهيئة العامة للاستثمار دراسة الجوانب المتعلقة بخصخصة الأندية الرياضية، تكون الحكومة قد بدأت العزف على وتر الخصخصة بنشاز تجاوزها الهيئة المتخصصة في شؤون التخصيص من الناحية الاقتصادية، وهي الجهاز الفني لبرنامج التخصيص الذي أسسته الحكومة مؤخراً، ومن المفترض أن يتولى بحكم مرسوم تأسيسه رقم 202 لسنة 2015 اختصاصات إعداد الدراسات الأولية قبل- أي قبل هيئة الاستثمار- ومتابعة تنفيذ إجراءات التقييم، وإعداد نماذج العقود واعتماد وثائق ومستندات تقديم العروض المتضمنة الشروط المرجعية، واعتماد نتائج تقييم التأهيل، وتقييم العروض الفنية بل وحتى إعلان نية الحكومة في طرح المشروع من أساسه... وهي اختصاصات تم تجاوزها في قرار مجلس الوزراء هذا الأسبوع.الخوف أن تمثل البداية غير الصحيحة لانطلاق المشروع أساساً غير سليم في انطلاق عملية الخصخصة، أو أن يكون الأمر كله ردة فعل ضمن صراع رياضي وليس بغية إصلاح وضع سيئ، فالأولى اليوم لتصحيح الإجراءات إعادة تكليف جهاز الخصخصة الدراسة وفقاً لمرسوم التأسيس أو إلغاء الجهاز لعدم حاجة الدولة إليه!إدارة وسياسةورغم أن الرياضة، خصوصاً في الكويت، ليست من شؤون الاقتصاد المباشرة فإنها بكل تأكيد من أوجه الإدارة... فالقطاع الرياضي بشكله الحالي لا يمكن فصله عن مجمل مشاكل الادارة في الكويت وتأثيراتها المباشرة وغير المباشرة على التنمية والشباب، بل وأيضا الصراع السياسي، إذ باتت الرياضة، خصوصا خلال الـ25 عاماً الأخيرة، جزءاً من مشروع الطموح السياسي لعدد من الشيوخ والتجار والنواب والسياسيين بشكل ساهم في تدميرها والحط من مكانتها.نماذج سابقةولعل من المفيد القول إن خصخصة الأندية يمكن أن تكون مدخلاً للإصلاح الرياضي، لكنها بكل تأكيد ليست عصا سحرية تعالج اختلالات قديمة جدا في هذا القطاع في فترة وجيزة، بل الأخطر ان يكون نموذج الخصخصة نفسه فاشلاً كما حدث في خصخصة محطات الوقود، أو متردداً كما حدث ويحدث في خصخصة "الخطوط الجوية الكويتية"، وبالتالي تتعرض الرياضة إلى ما هو أسوأ من وضعها الحالي... فالمطلوب تقديم نموذج واحد ناجح للخصخصة إذا أردنا تسويقها للناس.ثمة محاذير يجب أخذها بعين الاعتبار عند وضع الأسس الخاصة بخصخصة الأندية، أولها: ألا يكون هذا الأمر ردة فعل بعد الأزمة التي تسببت بإيقاف النشاط الرياضي، بحيث تكون الخصخصة ضد طرف لمصلحة آخر، فخلل الرياضة قديم ويبدأ بجمعيات عمومية لا علاقة لها بغير الانتخابات تفرز مجالس ادارات سيئة جدا يمتد عملها إلى الألعاب والأنشطة، وتنشغل في صراعات أغلبها غير رياضي، وهنا يجب التركيز على حل مشكلات الرياضة من الأساس وليس فقط الخروج من الإيقاف، أو تغليب طرف على آخر، خصوصا أن وضع الرياضة حتى قبل الإيقاف كان في أسوأ أحواله.أندية لا شركات عقاريجب الحرص ألا تحول الخصخصة الأندية الرياضية إلى شركات للاستثمار العقاري وتتناسى الأغراض الأساسية لها في تطوير الألعاب، وهنا يجب أن تكون هيئة الرياضة جهة ناظمة علاقتها بالأندية كعلاقة البنك المركزي مع البنوك، بمعنى أن تتوفر لديها الصلاحية لتصويب أي انحراف في العمل التشغيلي الأساسي وهو الرياضة، كما يجب مراقبة الإنفاق على الأنشطة الرياضية مقابل نظيرتها غير الرياضية، كأن يلزم القانون المستثمر باستثمار مبالغ على أغراض النادي التشغيلية (كمثال استثمار 5 ملايين دينار خلال 3 سنوات على اللاعبين ومرافق النادي الرياضية لا الاستثمارية كالمطاعم أو المولات)، فضلاً عن تحديد حد أدنى لكل ناد من المشاركة في الألعاب الجماعية والفردية.ولعل الحديث عن دور الجهة الناظمة لا يقل أهمية عن الخصخصة، فهي من يتولى تنظيم القطاع الرياضي ضمن إطاره التشغيلي، وتحدد ضوابط السوق بما يفصل خلط المفاهيم ما بين الخصخصة والاستثمار والاحتراف، ويخلق سوقاً لتوفير الموارد المالية، وأي اختلال في دور جهة التنظيم سينعكس سلباً على الأنشطة، فلا قيمة وقتها لاستبدال كتل انتخابية غير رياضية بشركات أيضا لا علاقة لها بالرياضة، وهنا يجب أن تكون للهيئة صلاحية فرض عقوبات تصل إلى سحب الترخيص من الشركات التي تنحرف في ممارسة النشاط التشغيلي الرياضي لمصلحة أنشطة عقارية أو استثمارية أخرى. نموذج جديدويجب الاعتراف بأن الحل اليوم يكمن في تغيير النموذج الحالي في الرياضة من أساسه، فوجود رياضيين صالحين محل آخرين فاشلين لم يعد الحل السحري كما كان الوضع في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، لأن الرياضة بشكل عام تحولت إلى صناعة واحتراف وعلم، فالحل يتمثل في تغيير نموذج القطاع الرياضي من الجذور من خلال خصخصة الأندية كلياً أو جزئياً، لتتحول إدارتها وملكيتها أو جزء كبير منها من القطاع العام إلى الخاص بالضبط كما هي الحال في الأندية الأوروبية أو حتى في الأندية العربية بشمال إفريقيا التي يتشارك القطاعان العام والخاص في معظمها.صناعة لاعبيننجاح الخصخصة يستوجب أن يشارك النادي على مدارس إعداد الناشئين وصناعة اللاعبين وغيرها من الآليات التي تضمن أن تتحرك الأندية بشكل صحيح بعد تخصيصها مع الأخذ بعين الاعتبار تطوير الدولة لمراكز الشباب في المناطق للراغبين في ممارسة الرياضة كهواية، إلى جانب ألا يتم تأسيس أي ناد في المناطق الجديدة وفقا للنظام القديم.التحدي في الرياضة لا ينحصر في تحويل ملكية النادي من قطاع عام إلى خاص، فهذا هو الأهون في الموضوع، فالأهم هو الاحتراف للاعبين والإداريين، فلم تعد الرياضة مجرد هواية بل صناعة، فحتى دول العالم الثالث طبقت الاحتراف الحقيقي وباتت مصنعاً لتصدير النجوم إلى الأندية العالمية بل وتحقيق الميداليات في البطولات الأولمبية.ويجب كذلك أن يكون للاستثمار الرياضي هامش يتيح للمستثمر تحقيق عوائد مالية من استغلال مرافق النادي تجاريا لتحقيق الإيرادات وتنظيم عمليات الرعاية والتسويق، وربما حتى بيع القمصان والمجسمات وغيرها كما يحدث في الأندية الأوروبية مع التأكيد على عدم طغيان النشاط غير التشغيلي على التشغيلي.واجهات تسويقربما يتساءل البعض: هل قطاع الأندية الرياضية مربح بالأصل حتى تكون خصخصتها ناجحة؟والإجابة بأنه ليس بالضرورة في هذه الحالة للمستثمر تحقيق الربح خصوصا على المديين القصير والمتوسط، لأن الرياضة بما فيها من جماهيرية يمكن أن تكون نافذة تسويقية لبنوك وشركات اتصالات وتجزئة وأغذية تتعامل مع الجمهور، وتحتاج نجاح الأندية لتسويق منتجاتها.التحدي الأسهلخصخصة الأندية وتحويل الرياضة من هواية إلى صناعة هو التحدي الأسهل ضمن ملفات الخصخصة المطروحة، فعلى الأقل لا توجد عمالة وطنية يخشى تسريحها، بل فقط تحسين مستوى الخدمة، أي تقديم إنجاز رياضي، وهو ملف أسهل بكثير من تخصيص قطاعات معقدة كالخدمات العامة الحكومية، لذلك فإن العمل على إعداد مشاريع خصخصة ناجحة للقطاع الرياضي يمكن أن يعطي صورة حسنة لتسويق خصخصة مشاريع أكبر.