ميلاد المحرر الأدبي

نشر في 23-12-2015
آخر تحديث 23-12-2015 | 00:00
 طالب الرفاعي من يتأمل المشهد السردي العربي سيرى أن الإصدارات الأدبية في الرواية والقصة، وأقل منها الشعر، أصبحت من الكثرة بحيث تصعب ملاحقتها، وسيرى من جانب آخر ضعف وهزال وتكرار الكثير الكثير من هذه الإصدارات. صحيح أن موهبة وخبرة الكاتب، وتوفره على فهم وهضم العناصر الفنية الأساسية الضرورية للكتابة الإبداعية الروائية والقصصية تؤدي دوراً مهماً وحاسماً في تلك الكتابة، لكن، المؤكد أيضاً هو أن للناشر دوراً كبيراً في نشر ثقافة روائية مبدعة ومحققة لشرطها الفني.

إن أي دار نشر في الغرب، وبقدر ما تعتمد على الكاتب، فإنها تعتمد في عملها على المحرر الأدبي بشكل أساسي، كرقم في معادلة الكتابة الإبداعية يصعب جداً الاستغناء عنه. لقد أصبح العالم اليوم قرية كونية ولا يصح هذا فقط في ثورة المعلومات وشبكات التواصل الاجتماعي، لكنه يصح أيضاً في ضرورة وقوف الناشر العربي على شروط النشر الصحيحة في سوق حاد التنافسية، مما يوجب عليه أن يكون معاصراً ويكون على قدر المسؤولية الثقافية الملقاة على عاتقه.

الشرط الأول لأي دار نشر تحترم عقول قرائها وتعمل بمهنية عالية هو وجود لجان قراءة متخصصة تقوم بفحص وتقييم أي منتج أدبي إبداعي يتقدم إليها. وبالتالي تعمل هذه اللجان بوصفها المنخل الموضوعي الذي يفرز الغث من السمين، والذي يقول لأي كاتب متواضع الموهبة إن عليه تجويد منتجه، وعليه مزيد من البحث والدراسة والتحصيل الإبداعي. فليست كتابة الرواية عملية سهلة ولا هي وليدة خاطر عابر.

تشكل لجان القراءة البوابة الأولى التي يتوجب على النص الإبداعي، أياً كان كاتبه، تجاوزها ليتم النظر بجديّة إلى إمكانية طباعته ونشره، لتحل المرحلة الثانية وهي لا تقل أهمية عن لجان القراءة المتخصصة، وأعني بذلك المحرر الأدبي. ففي الغرب يوجد العديد من المحررين الأدبيين، وتختلف مهامهم حسبما تتطلبه مرحلة النص الإبداعي، فهناك المحرر الأدبي الذي يعنى بالقواعد النحوية وعلامات الترقيم وصيغ ضمائر الكتابة، ولا علاقة له بشيء آخر، في حين يقوم محرر أدبي بمراجعة النص الإبداعي بغية تجويده وإعادة صياغة بعض جمله بصيغ أخرى أكثر مواءمة للنص وأكثر قدرة على الوصول للقارئ ومخاطبة ذائقته. وأخيراً هناك ما يُسمى بالقراءة الكلية، حيث يقوم محرر أدبي مختص وخبير بسوق النشر بقراءة نص الرواية كاملاً للنظر في إضافة هنا أو هناك، أو حذف يستقيم معه النص ليبدو أكثر تماسكاً وإبداعاً.

الشريحة الأكبر من الكتّاب العرب مازالت تنظر إلى عمل المحرر الأدبي بشيء من الريبة، أو قل بشيء من عدم الوئام، فتقاليد الكتابة والنشر العربيين لم تستطع حتى اللحظة خلق علاقة عمل واحترام بين الكاتب والمحرر الأدبي المتخصص، في حين يفاخر الكاتب الغربي بتعاونه مع المحرر الأقرب إليه، الذي سار معه على طريق تجربة الكتابة وكان عوناً له.

من جهته، مازال الناشر العربي أبعد ما يكون عن وظيفة المحرر الأدبي داخل مؤسسة النشر التي تخصه، فالقضية حسبة مالية بالمرتبة الأولى كما أنها تقليد لم تجر العادة عليه. وأخيراً هي علاقة احترام متبادل بين أطراف ثلاثة؛ الكاتب والمحرر والناشر.

العالم متغير، وعجلة التغيير تطال كل شيء، ومن المؤكد أنه قد آن للناشر العربي أن ينظر لزميله الناشر الغربي في أسلوبه عمله، ويحاول الاستفادة من تنظيمه لعمله، وخاصة في الخطوات الأهم والأكثر إلحاحاً، وأعني بذلك توفر دار النشر على المحرر الأدبي الكفء، والمباشرة في خلق علاقة إبداعية صحية بينه وبين المبدع.

المبادرات الكبيرة بحاجة لرأس حربة، وبحاجة لمفكر يرى أبعد من اللحظة، ومن المؤكد أن المحرر الأدبي المختص والمتمكن بات ضرورة إبداعية ثقافية ملحة للمبدع والناشر والقارئ العربي... ومنا إلى أصدقائنا الناشرين.

back to top