شكلت دورة ألعاب 1908 التي أقيمت في لندن بداية التغيير، بشأن الأنظمة والقواعد المتبعة في المنافسات، وكانت الأولى، التي تشهد طابور عرض، حيث مرت كل بعثة خلف علم بلدها، وتسفر عن نتائج متقدمة فنياً.

وكان المفروض أن تقام الألعاب الرابعة في العاصمة الإيطالية روما، لكن نظراً إلى صعوبة التجهيزات، اقترحت لندن لتكون المدينة البديلة، وهو ما حصل.

Ad

فأجريت بمشاركة 2008 رياضيين بينهم 37 امرأة يمثلون 22 بلداً، منها آيسلندا ونيوزيلندا، التي شارك أفرادها مع بعثة أستراليا، وروسيا وفنلندا (المشاركة مع روسيا القيصرية)، وتركيا، وهي دول دخلت الألعاب للمرة الأولى.

تنوع في المسابقات

وشملت المسابقات الملاكمة والدراجات والجمباز وألعاب القوى والزوارق الشراعية واللاكروس والركبي والرماية وكرة المضرب والرقص على الجليد وكرة القدم والمصارعة وكرة الماء والتجذيف واليخوت والسباحة والغطس والبولو والكريكيت والقوس والنشاب والمبارزة والهوكي على العشب، وأجريت عروض لدراجات ركيزتها دولاب عملاق كانت شائعة وقتذاك.

وشكل عدد المشاركين أكثر من مجموع الذين تنافسوا في الدورات الثلاث السابقة، ودانت صدارة الميداليات في النهاية لبريطانيا برصيد 56 ذهبية و48 فضية و37 برونزية، وحلت الولايات المتحدة ثانية (23-12-11) والسويد ثالثة (7-5-10)، ولم تحصل كل من إسبانيا وتركيا وسويسرا على أي ميدالية.

المعرض الفرنسي - البريطاني

وأقيمت الألعاب خلال شهر يوليو ذلك العام، على هامش المعرض الفرنسي - البريطاني، الذي نظم من 27 أبريل إلى 31 أكتوبر.

وقبل نحو قرن من هذا التاريخ، كانت لندن، وساحة ترافلغار تحديداً، وسط الكون، فمنذ انتصار ولينغتون على نابوليون، حكمت القوانين الإنكليزية العالم، والإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، هي سيدة البحار، والمسيطرة على ربع مساحة الكرة الأرضية.

وللمفارقة، فإن المعرض المشترك جسد الحلف المستجد بين المتنازعين على السيطرة الاستعمارية والمصالح على مختلف الأصعدة، لكنه كان من الضرورة للحد من الطموح والتهديد الألمانيين.

في 15 مايو حضر الرئيس الفرنسي أرمان فاليير تدشين المعرض، وانطلقت بعدها التحضيرات متسارعة للألعاب، التي حققت نجاحاً نسبياً رغم الأمطار المستمرة، والانحياز الكبير من قبل الحكام البريطانيين، ما مهد للاستعانة بحكام من جنسيات مختلفة بدءاً من الدورة الخامسة.

المشاركة أهم

وللتخفيف من وطأة الانحياز العلني، قال مطران بنسلفانيا خلال عظة ألقاها في كاتدرائية القديس بولس في لندن: "المشاركة أهم من الفوز" جملة شهيرة كرسها البارون بيار دو كوبرتان هدف الألعاب وغايتها الأسمى.

عند الساعة الخامسة، أي الوقت المحبب لدى الإنكليز لارتشاف الشاي، أعلن الملك ادوارد السابع وزوجته الروسية الأصل ألكسندرا افتتاح الألعاب أمام 70 ألف متفرج وبحضور الأميرين، جورج الخامس وادوارد الثامن، عاهلي المستقبل، واثنان من المهراجا، وسفراء الدول الأوروبية.

مراسم الافتتاح أقيمت في استاد وايت سيتي (شيبرد بوش)، الذي شّيد في غضون عشرة أشهر وبلغت تكاليفه 60 ألف جنيه، على أرض كانت مرعى ومنازل متواضعة تؤوي نحو 1800 نسمة، والذي بني مكانه عام 1984 مقر الإذاعة البريطانية الجديد "بي بي سي".

وضم الاستاد مضماراً للدراجات طول لفته 630 متراً، وكانت المرة الأولى، التي تقام فيها سباقات السباحة في حوض خاص بلغ طوله 100 متر، وعرضه 15 متراً، وشهد تحطيم الأميركي شارل دانيال الرقم العالمي لسباق 100 م حرة، وعرف سباقه باعتماد طريقة سباحة الصدر للمرة الأولى.

وفي نزالات المصارعة اليونانية - الرومانية للوزن المتوسط، بلغ السويديان فريسيوف مارتنسون وموريتس آندرسون المباراة النهائية، لكن المواجهة أجلت يوماً ليبرأ الأول من إصابة تعرض لها، ما سمح له بالفوز.

هيمنة أميركية

وواصل الأميركيون هيمنتهم على ألعاب القوى، وبرز هاري بوتر في الوثب العالي، فتجاوز ارتفاع 1.90 متراً، محطماً الرقم القياسي العالمي.

وفي سباق 400 م، توّج الملازم الاسكتلندي ويندام هولسويل مسجلاً 50 ثانية، لكن المفارقة انه خاض السباق بمفرده، وكانت المرة الأولى والأخيرة في تاريخ الألعاب.

والسبب أن الحكام أرجعوا الأميركيين روبنز وكاربتنر إلى الحارة الثامنة بعدما اتهما بإعاقتهما الاسكتلندي ودفعاه عند خط الانطلاق، فاحتجا ورفضا خوض السباق.

ومسابقة شد الحبل، كانت لا تزال من الرياضات الأكثر شعبية في الدورات الأولمبية، وأسفرت "مواجهة لندن" عن فوز فريق شرطة المدينة على الأميركيين، الذين احتجوا واتهموا الإنكليز بالاستعداد طويلاً للمناسبة، فكان أن اقترح المنتصرون إعادة المباراة على أن يواجهوا فيها منافسيهم حفاة الأقدام، غير أن المحتجين رفضوا العرض.

أما سباق الماراثون، الذي أجري في 24 يوليو فلقصته نكهة خاصة جداً، جعلت منه فاكهة الدورة، ومن الإيطالي بيتري دوراندو 1.59 متر بطلاً خاصاً لأنه خطف الأضواء والشهرة من الفائز الرسمي الأميركي جون هايز.

انطلق السباق من أمام حضانة قصر ويندسور لتتمكن العائلة المالكة من متابعة وقائعه، وحدد الوصول في الاستاد في مواجهة المنصة الملكية. والمسافة الدقيقة بلغت 26.385 ميلاً أي 42.195 كلم، علماً أن طول مضمار الجري في "وايت سيتي" 536 متراً.

وتعين على المشاركين جري 26 ميلاً على الطريق و385 ياردة على المضمار لينهوا السباق في مواجهة المنصة.

انطلق 56 عداء وبينهم بيتري حامل الرقم 19، إثر طلقة بندقية بنتلي للورد ديسبورو رئيس اللجنة الأولمبية البريطانية.

«أثينا 1906» الوحيدة غير العادية والاعتراف بعاصمة أولمبية
نظرا للنجاح الذي رافق الألعاب الأولى في أثينا عام 1896، طلبت اللجنة الأولمبية اليونانية من اللجنة الدولية، أن تعترف بأثينا عاصمة أولمبية مدى الحياة، وتكون المدينة الوحيدة التي يحق لها استقبال الألعاب الأولمبية في المستقبل.

لكن اللجنة الأولمبية الدولية تريثت في إقرار مثل هذا المشروع الذي يحرم مدنا كثيرة من شرف الاستضافة والتنظيم، وفي الوقت عينه سمحت للجنة اليونانية إقامة دورات أولمبية في أثينا يكون توقيتها بين "الدورات العالمية"، علما بأن الفكرة أساسا لقيت معارضة من رئيس اللجنة بيار دو كوبرتان وغالبية الأعضاء، غير أن الملك اليوناني جورج أصر على المبدأ.

وهكذا أقيمت دورة واحدة عام 1906 في أثينا، غير أن نتائجها لم تسجل رسميا في سجل الدورات الأولمبية العادية، لذا فإن أثينا عدلت عن إقامة دورة ثانية. وأجريت المباريات والمسابقات من 22 ابريل إلى 2 مايو، بمشاركة 877 رياضيا و7 رياضيات من 20 بلدا.

وسجلت بداية المشاركات العربية عبر مصر، كما دخلت فنلندا على خط المتبارين، وحصد لها فيرنر ويكمان ذهبية في المصارعة، وورنر جارفينن برونزية رمي القرص وذهبية المسابقة عينها وفق الأسلوب القديم.

اليونانيون أرادوا المناسبة عظيمة في الذكرى العاشرة لإعادة إحياء الألعاب الأولمبية، ولا سيما أنهم نادوا بإقامتها دائما في مهدها على غرار العصور الغابرة، لذا شهدت تنظيما أنسى كثيرا خيبات وفوضى دورتي 1900 و1904، ولم تؤثر الهزات الأرضية التي ضربت عامذاك سان فرانسيسكو وأدت إلى حرائق وخسائر، وأودت بحياة 6000 شخص في تايوان، و1500 في تشيلي، في تعديل البرنامج أو موعده.

وشملت المنافسات ألعاب القوى والسلاح ورفع الأثقال وكرة القدم والدراجات والمصارعة والتجديف والرماية والسباحة والتنس والجمباز. وحصد أبطال 19 دولة الميداليات، وتصدرت فرنسا الترتيب برصيد 15 ذهبية و9 فضيات و16 برونزية، تلتها الولايات المتحدة (12-6-6)، ثم اليونان (8-13-13).

وحضرت البعثة الأميركية على متن باخرة خاصة، وبرز فريقها في الجمباز، فقطف 10 ميداليات، وكان أفضل افراده انطون هايدا الفائز بخمس ذهبيات وفضية واحدة. وتميز أبطال المبارزة الكوبيون، ومنهم رامون فونست (5 ذهبيات)، الفائز في باريس 1900 وسانت لويس 1904.

وتنافست ألمانيا والمجر على ميداليات الغطس والسباحة.

والدورة "الاعتراضية" أرست لتقليد استعراض الفرق وعروض حفلة الافتتاح التي لم تعر أي اهتمام استثنائي أو تحضر لها خطوات تنظيمية في الدورتين السابقتين، وما سيتعزز ويتطور لاحقا بدءا من دورة لندن عام 1908.