علي بن بكار وشمس النهار في قصر هارون الرشيد

نشر في 14-07-2015 | 00:01
آخر تحديث 14-07-2015 | 00:01
في الليلة السابعة والعشرين تواصل شهرزاد حكاية الشاب علي بن بكار الذي عشق جارية من محظيات قصر أمير المؤمنين هارون الرشيد وتدعى «شمس النهار».

كانت شهرزاد فرغت من قصة الخياط وجماعة العربان التي تحكي حكايتها أمام ملك الصين، بشأن قصة الأحدب، الذي أعاده حلاق بغداد في حلقة أمس إلى الدنيا بعدما كاد أن يفارقها ويدفن.

لما جاءت الليلة السابعة والعشرون، قالت شهرزاد إنه لما سمع ملك الصين هذه القصة، أمر بعض حجابه أن يمضوا مع الخياط كي يحضروا المزين، وقال لهم: لا بد من حضوره لأسمع كلامه، ويكون ذلك سبباً في خلاصكم جميعاً، وندفن هذا الأحدب ونواريه التراب، فإنه ميت من أمس، ثم نعمل له ضريحاً لأنه كان سبباً في اطلاعنا على هذه الأخبار العجيبة، فما كان إلا ساعة حتى جاء الحجاب بالخياط بعدما مضوا إلى الحبس، وأخرجوا منه المزين، وساروا به إلى أن أوقفوه بين يدي الملك. لما رأه وجده شيخاً كبيراً جاوز التسعين، أسود الوجه، أبيض اللحية والحواجب، مقرطم الأذنين، طويل الأنف، فضحك الملك من شكله وقال: يا صامت أريد أن تحكي لي شيئاً من حكايتك، فقال المزين: يا ملك الزمان ما شأن هذا النصراني وهذا اليهودي وهذا المسلم وهذا الأحدب بينكم؟ فقال له ملك الصين: ما سؤالك عن هؤلاء؟ فقال: سؤالي عنهم حتى يعلم الملك أني غير فضولي ولا اشتغل إلا بما يعنيني وأنني برئ مما اتهموني به من كثرة الكلام وأن لي نصيبا من اسمي حيث لقبوني بالصامت كما قال الشاعر:

وقلما أبصرت عيناك ذا لقب

إلا ومعناه إن فتشت في لقبه

 

فقال الملك: اشرحوا للمزين حال هذا الأحدب وما جرى له في وقت العشاء، وكل ما حكى النصراني وما حكى اليهودي وما حكى الخياط. لما سمع كل هذه الحكايات، وليس في الإعادة إفادة، حرك المزين رأسه وقال: والله إن هذا لشيء عجاب، اكشفوا لي عن هذا الأحدب، فكشفوا عنه، فجلس عند رأسه وأخذ رأسه على حجره ونظر في وجهه وضحك ضحكاً عالياً حتى انقلب على قفاه من شدة الضحك، وقال لكل موتة سبب من الأسباب، وموت هذا الأحدب من عجب العجاب، يجب أن تؤرخ في السجلات ليعتبر بما مضى من هو آت.

تعجب الملك من كلامه وقال: يا صامت احك لنا كلامك هذا.

قصة علي بن بكار

قال: يا ملك الزمان، وحق نعمتك أن الأحدب فيه الروح، ثم أخرج المزين من وسطه مكحلة فيها دهن، ودهن رقبة الأحدب وغطاها حتى عرقت، ثم أخرج كلبتين من حديد ونزل بهما في حلقة فالتقطتا قطعة السمك بعظمها، فلما أخرجها رأها الناس بعيونهم، ثم نهض الأحدب واقفاً على قدميه، وعطس عطسة قوية، ومسح بيديه على وجهه وقال: لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتعجب الحاضرون من الذي رأوه، وضحك ملك الصين حتى غشيَّ عليه، كذلك الحاضرون.

وهنا قال ملك الصين: والله إن هذه قصة عجيبة ما رأيت أغرب منها، وما أظن أن أحداً منكم رأى ميتاً يبعث حياً كما رأينا الآن هذا الأحدب، ولولا أن الله رزقه بهذا المزين لكان اليوم من أهل الآخرة، فقالوا: والله إن هذا من العجب العجاب. ثم أمر ملك الصين أن تسطر هذه القصة فسطروها وجعلوها في خزانة الملك، ثم خلع على كل من اليهودي والنصراني والمباشر بخلعة سنية، وجعل الخياط خياطة، ورتب له الرواتب، وأصلح بينه وبين الأحدب، وخلع على الأحدب خلعة مليحة وجعله نديمة، وأنعم على المزين، وجعله مزين المملكة ونديمه، ولم يزالوا في ألذ عيش وأهنأه، إلى أن أتاهم هادم اللذات، ومفرق الجماعات، وليس هذا بأعجب من قصة علي بن بكار مع شمس النهار.

قالت شهرزاد: بلغني أيها الملك السعيد أنه كان في خلافة هارون الرشيد رجل تاجر له ولد اسمه أبو الحسن علي بن ظاهر، وكان كثير المال والنوال حسن الصورة محبوباً عند كل من يراه، يدخل دار الخلافة من غير إذن ويحبه جميع سراري الخليفة وجواريه لأنه كان ينادمه وينشد عنده الاشعار ويحدثه بنوادر الأخبار، كذلك كان يبيع ويشتري في سوق التجار، وكان يجلس على دكانه شاب من أولاد ملوك العجم يقال له علي بن بكار وهو شاب مليح القامة ظريف الشكل كامل الصورة، مورد الخدين، مقرون الحاجبين، عذب الكلام ضاحك السن يحب المرح والانشراح.

اتفق أنهما كانا جالسين يتحدثان ويضحكان وإذا بعشر جوار كأنهن الأقمار، وكل منهن ذات حسن وجمال، وقد اعتدال، وبينهن صبية راكبة على بغلة، بسرح مزركش، له ركاب من الذهب، وعليها إزار رفيع، وفي وسطها زنار من الحرير مطرز بالذهب. لما وصلن إلى دكان أبي الحسن نزلت الصبية عن البغلة وجلست على دكانه، حيث سلمت عليه وسلم عليها، وما إن رأها علي بن بكر حتى سلبت عقله وأراد القيام فقالت له: اجلس مكانك، كيف تذهب إذا حضرنا؟ هذا ما هو إنصاف. فقال: والله يا سيدتي أني هارب مما رأيت.

تبسمت وقالت لأبي الحسن : ما اسم هذا الفتى ومن أين هو؟ فقال لها: هذا غريب اسمه علي بن بكار وأبوه ملك العجم، والغريب يجب إكرامه. قالت له: إذا جاءتك جاريتي فأت به عندي. فقال أبو الحسن: على العين والرأس.

شمس النهار

ثم قامت وتوجهت في سبيلها. أما علي بن بكار فصار لا يعرف ما يقول، وبعد ساعة جاءت الجارية إلى أبي الحسن وقالت له: إن سيدتي تطلبك أنت ورفيقك. فنهض أبو الحسن ومعه علي بن بكار، وتوجها مع الجارية إلى قصر هارون الرشيد، فأدخلتهما في مقصورة واجلستهما، وإذا بالمائدة وضعت أمامهما، فأكلا وغسلا أيديهما، ثم أحضرت لهما الشراب فشربا، ثم أمرتهما بالقيام فقاما معها، وأدخلتهما مقصورة أخرى مركبة على أربعة أعمدة، وهي مفروشة بأفخر الفرش مزينة بأحسن الزينة، كأنها من قصور الجنان فاندهشا مما عاينا من التحف.

بينما هما يتفرجان على هذه الغرائب، إذا بعشر جوار أقبلن يتمايلن عجباً، كأنهن الأقمار، يدهشن الأبصار ويحيرن الأفكار.. ثم اصطففن كأنهن من حور الجنان، وجاءت بعدهن عشر جوار أيضاً، وبأيديهن العيدان وآلات اللهو والطرب، فسلمن عليهما، وجعلن يعزفن على العيدان وينشدن الأشعار وكل واحدة منهن فتنة للعباد، وأقبلت بعدهن عشر جوار مثلهن كواعب أتراب، بعيون سود، وخدود حمر، مقرونات الحواجب، ناعسات الطرف، فتنة للعابدين ونزهة للناظرين وعليهن من أنواع الحرير الملون ما يحير العقول.

ثم وقفن بالباب، وجاءت من بعدهن عشر جوار أحسن منهن، وعليهن الملابس الفاخرة فوقفن بالباب أيضاً، ثم خرج منه عشرون جارية، وبينهن جارية اسمها شمس النهار، كأنها القمر بين النجوم، وهي متوشحة بفاضل شعرها، وعليها ثوب أزرق، وإزار من الحرير بطراز من الذهب، وفي وسطها حزام مرصع بانواع الجواهر، ولم تزل تتبختر حتى جلست على السرير، فلما رأها علي بن بكار قال لأبي الحسن: ليتك أخبرتني بهذه الأمور قبل الدخول هنا كي أوطن نفسي وأصبرها.

ثم بكى وأنّ واشتكى، فقال له أبو الحسن: يا أخي أنا ما أردت إلا الخير، وقد خشيت أن أعلمك بذلك فيلحقك من الوجد ما يصدك عن لقائها، فطب نفسا وقر عيناً، فهي لسعدك مقبلة، وللقائك متوسلة. فقال لي ابن بكار: ما اسم هذه الصبية؟. فقال له أبو الحسن: اسمها شمس النهار، وهي من محظيات أمير المؤمنين هارون الرشيد وهذا المكان قصر الخلافة!

ثم إن شمس النهار جلست، وتأملت محاسن علي بن بكار، وتأمل هو حسنها، وشغل كل منهما بحب الآخر، ثم أمرت الجواري أن تجلس كل واحدة منهن في مكانها على سرير قبال طاقة، وأمرتهن بالغناء، فأمسكت واحدة منهن العود وأنشدت عليه ألحاناً شجية، ثم غنت الثانية والثالثة.

فتنهد علي بن بكار، وأرسل دموعه الغزار، فلما رأته شمس النهار باكياً، أحرقها الوجد والغرام، وأتلفها الوله والهيام، فقامت من فوق السرير وجاءت إلى باب القبة، فقام علي بن بكار للقائها، وتعانقاً ووقعا مغشياً عليهما عند باب القبة، فقامت الجواري إليهما وحملنهما وأدخلنهما القبة ورششن عليهما ماء الورد. لما أفاقا لم يجد علي صاحبه أبا الحسن، وكان هذا قد اختفى في جانب سرير. ولما سألت عنه الصبية ظهر لها، فسلمت عليه وقالت: أسأل الله أن يقدرني على مكافأتك يا صحب المعروف.

 ثم أقبلت على الشاب علي بن بكار وقالت له: ما بلغ بك الهوى إلى غاية إلا عندي أمثالها، وليس لنا إلا الصبر على ما أصابنا! فقال لها: يا سيدتي ليت جمع شملي بك يطيب، فإنه لا ينطفي ما عندي من اللهيب، ولا يذهب ما تمكن من حبك في قلبي، إلا بذهاب روحي.

ثم بكى فنزلت دموعه على خده كأنها المطر، فلما رأته شمس النهار يبكي بكت لبكائه، فقال أبو الحسن: والله إني عجبت من أمركما واحترت في شأنكما فإن حالكما عجيب وأمركما غريب، ما هذا البكاء وأنتم مجتمعان؟ فكيف يكون الحال بعد انفصالكما؟ إن هذا ليس وقت حزن وبكاء، بل هو وقت سرور وانشراح.

أمير المؤمنين

أشارت شمس النهار إلى جارية، فقامت وعادت ومعها وصائف حاملات مائدة، صحافها من الفضة، وبها أطايب الطعام، وجلس الجميع على المائدة، وصارت شمس النهار تأكل وتلقم صاحبها حتى اكتفوا، فرفعت المائدة وغسلوا أيديهم، وجاءتهم المباخر حافلة بأنواع العود، والقماقم ملآنة بماء الورد، فتبخروا وتطيبوا وقدمت لهم أطباق من الذهب المنقوش، فيها من أنواع الشراب والفواكه والنقل ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين، ثم جيء بطشت من العقيق ملآن من المدام، فاختارت شمس النهار عشر وصائف أوقفتهن عندها، وعشر جوار من المغنيات، وصرفت بقية الجواري، ثم أمرت بعض الحاضرات من الجواري أن يضربن بالعود ففعلن، وقامت وملأت الكأس وشربته، ثم ملأته وأعطته لعلي بن بكار.

قالت شهرزاد: إن شمس النهار ملأت الكأس وأعطته لعلي بن بكار ثم أمرت جارية أن تغني، فلما فرغت من غنائها، شرب علي بن بكار كأسه، وردها إلى شمس النهار، فملأتها وناولتها لأبي الحسن فشربها، ثم أخذت العود وقالت: لا يغني على قدحي غيري! ثم شدت الأوتار وأنشدت هذه الأشعار:

 

غرائب الدمع في خديه تضطرب             جداً ونار الهوى في صدره تقد

يبكي مع القرب خوفاً من تباعدهم             فالدمع إن قربوا جار، وإن بعدوا

 

لما سمع علي بن بكار وأبو الحسن والحاضرون شعر شمس النهار، كادوا أن يطيروا من الطرب، ولعبوا وضحكوا.. بينما هم على هذه الحال وإذا بجارية أقبلت وهي ترتعد من الخوف وقالت: يا سيدتي قد وصل أمير المؤمنين» وها هو ذا بالباب، ومعه عفيف ومسرور وغيرهما!

لما سمعوا كلام الجارية، كادوا أن يهلكوا من الخوف، فضحكت شمس النهار وقالت لهم: لاتخافوا. ثم قالت للجارية: ردي عليهم الباب بقدر ما نتحول من هذا المكان. ثم إنها أمرت بغلق باب القبة وإرخاء الستور على أبوابها وهم فيها، وأغلقت باب القاعة، ثم خرجت إلى البستان وجلست على سريرها وأمرت جارية، أن تكبس رجليها، وأمرت بقية الجواري أن يمضين إلى أماكنهن، وأمرت الجارية أن تدع الباب مفتوحاً ليدخل الخليفة، فدخل مسرور ومن معه، وكانوا عشرين وبأيديهم السيوف، وسلموا على شمس النهار، سألتهم: لأي شيء جئتم؟ أجابوا: إن أمير المؤمنين يسلم عليك، وقد اشتاق لرؤيتك، وكان عنده اليوم سرور وحظ فأحب أن تكوني معه في هذه الساعة، فهل تأتين عنده أو يأتي عندك.

قامت وقبلت الأرض وقالت: سمعاً وطاعة لأمر أمير المؤمنين. ثم أمرت بإحضار القهرمانة والجواري، فحضرن وأظهرت لهن أنها مقبلة على ما أمر به الخليفة، وكان المكان كاملاً في جميع أموره، ثم قالت للخدم: امضوا إلى أمير المؤمنين وأخبروه بأنني في انتظاره بعد قليل، حتى أهيئ له مكاناً لائقاً. فمضى الخدم مسرعين إلى أمير المؤمنين وعلى أثر ذلك قامت هي ودخلت عند علي بن بكار وودعته فبكى بكاء شديداً وقال: يا سيدتي هذا وداع لفراق أليم، فزوديني بما يعينني على الوجد والهيام وأسأل الله أن يرزقني الصبر على ما ابتلاني به من الحب.

قالت له شمس النهار: أنا التي أخشى التلف بعد أن تخرج، فأنت قد تجتمع في السوق بمن يسليك، فتكون مصوناً وغرامك مكنوناً، وأما أنا فسوف أقع في البلاء خصوصاً أني وعدت الخليفة بانتظاره، وربما يلحقني خطر عظيم بسبب شوقي إليك وحبي لك وتأسفي على مفارقتك، فبأي لسان أغني؟ وبأي قلب وأي كلام أنادم أمير المؤمنين؟ وبأي عين أنظر إلى مكان لست فيه؟ وبأي فم أشرب كأساً لا تشاركني فيها؟

فقال لها أبو الحسن: «اصبري، ولا تغفلي عن منادمة أمير المؤمنين هذه الليلة ولا تريه تهاوناً.

بينما هما في الكلام وإذا بجارية قدمت وقالت: يا سيدتي جاء غلمان أمير المؤمنين. فنهضت وقالت للجارية: خذي أبا الحسن ورفيقه واقصدي بهما أعلى الروشن المطل على البستان، ودعيهما هناك إلى الظلام ثم احتالي لخروجهما.

الغرام

أخذتهما الجارية واطلعتهما في الروشن وأغلقت الباب عليهما ومضت في سبيلها، وبينما هما ينظران إلى البستان إذا بالخليفة قد جاء يسبقه نحو مئة خادم بأيديهم السيوف، وحواليه عشرون جارية كأنهن الأقمار، وعليهن أفخر ما يكون من الثياب، وعلى رأس كل واحدة تاج مكلل بالجواهر واليواقيت، وفي يديها شمعة موقدة، والخليفة يمشي بينهن وهن محيطات به من كل ناحية، ومسرور وعفيف ووصيف قدامه. فقامت شمس النهار وجميع من عندها من الجواري للقائه عند باب البستان وقبلن الأرض بين يديه، ولم يزلن سائرات أمامه إلى أن جلس على السرير ووقف الخدم والجواري حوله، والشموع موقدة، والآلات تضرب إلى أن أمرهم بالانصراف ثم جلست شمس النهار على سرير بجانب سرير الخليفة وصارت تحدثه.

كل ذلك وأبو الحسن وعلي بن بكار ينظران ويسمعان، والخليفة لم يرهما.

ثم إن الخليفة صار يلعب مع شمس النهار وأمر بفتح القبة ففتحت، وأوقدوا الشموع حتى صار الظلام كالنهار، وأخذ الخدم يجيئون بالمشروبات والمشمومات، فقال أبو الحسن: هذه أشياء ما رأيت مثلها، أما أصناف الجواهر فما سمعت بمثلها، وقد خيل لي أنني في المنام، واندهش عقلي وخفق قلبي.

أما علي بن بكار فإنه لما فارقته شمس النهار لم يزل مطروحاً على الأرض من شدة العشق، فلما أفاق صار يتطلع إلى المجلس وقال لأبي الحسن: يا أخي أخشى أن يبصرنا الخليفة أو يعلم حالنا، وأكثر خوفي عليك أنت لأني أعد نفسي من الهالكين بسبب العشق والغرام.

ولم يزل علي بن بكار وأبو الحسن ينظران من الروشن إلى مجلس الخليفة وما فيه، حتى تكامل عقده، والتفت الخليفة إلى جارية من الجواري وقال لها: هاتي ما عندك يا غرام من السماع المطرب» فأطربت بالنغمات وأنشدت هذه الأبيات:

وما وجد أعرابية بأن أهلها

فحنت إلى باب الحجاز ورنده

إذا أنست ركبا تكفل شوقها

بنار قراه، والدموع بورده

بأعظم من وجدي بحبي وإنما

يرى أنني أذنبت ذنبا بوده

لما سمعت شمس النهار هذا الشعر، وقعت مغشياً عليها من فوق الكرسي الذي كانت عليه، وغابت عن الوجود فقام الجواري وحملنها، فلما نظر إليها علي بن بكار من الروشن وقع مغشياً عليه، فقال أبو الحسن: إن القضاء قسم الغرام بينكما، وبعد قليل جاءت إليهما الجارية التي اطلعتهما على الروشن ، وقالت: يا أبا الحسن انهض أنت ورفيقك وانزلا، فقد ضاقت علينا الدنيا، وأنا خائفة أن يظهر أمرنا.

قال أبو الحسن: كيف ينهض معي هذا الغلام ولا قدرة له على النهوض؟ فصارت الجارية ترش وجه الفتى بماء الورد حتى أفاق، فحمله أبو الحسن والجارية ونزلا به من الروشن ومشيا قليلاً، ثم فتحت الجارية بابا صغيرا من حديد، وأخرجتهما إلى مصطبة، ثم صفقت بيدها فجاء زورق فيه ملاح يجذف، فاطلعتهما الجارية في الزورق وركبت معهما وقالت للملاح: اذهب بنا إلى الشاطئ الآخر.

فأخذ الملاح يجدف بكل قوته تنفيذاً لذلك الأمر.

وأدركت شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

back to top