الـ «كب كيك»... لا يصنع اقتصاداً!
منذ سنوات طويلة، ولأكثر من عقد من الزمن ظهرت مبادرات تشجيع الشباب على بدء مشاريع صغيرة خاصة بهم، جاءت في أعقاب طرح فكرة صندوق المشاريع الصغيرة في منتصف تسعينيات القرن الماضي، وحالياً وزارة الشباب وعدة جهات حكومية وأهلية تشجع ذلك التوجه عبر إقامة المعارض والمهرجانات، وتمويل أنشطة للترويج لهذه المبادرات الشبابية، بجانب وجود الصندوق الوطني لرعاية المشاريع الصغيرة والمتوسطة.بلاشك، إن المشاريع الصغيرة هي عماد معظم الاقتصادات الناجحة والمتطورة، فاليابان بدأ انطلاق اقتصادها بعد الحرب العالمية الثانية بالمشاريع الصغيرة، وكذلك كوريا الجنوبية وسنغافورة، وثروة بيل غيتس في شركات التكنولوجيا الرقمية بدأت بمشروع صغير لمجموعة شباب طموحين ومبدعين كان مقرها مرآب بيت عائلة غيتس نفسه، الذي كوَّن بعد ذلك إمبراطوريته في صناعات الحاسب الآلي والبرمجيات.في الكويت مازلنا نراوح في المشاريع الصغيرة في أعمال الطبخ (الحلويات والوجبات المحلية)، أو الملابس الشعبية (دراعات وعبايات إسلامية)، والخدمات الخاصة (توصيل البريد والحاجات الشخصية)، وربما بعض أعمال الديكور وتصميم الأثاث، وخلاف ذلك لا يوجد شيء مبدع ولافت، ومعظم تلك المشاريع مازالت في شكلها البدائي، ولم تتطور إلا بشكل محدود وعلى نطاق محلي.
لا بأس أن يكون لشبابنا اهتمامات بالصناعات الغذائية، فهي صناعة مهمة وتدرُّ أرباحاً ضخمة حول العالم، لكن كيف يمكننا أن نطورها في الكويت ولا تقتصر على تصنيع الـ"كب كيك" في المعارض الموسمية، أو البيع عن طريق "إنستغرام"، فتلك هي مهمة الجهات الاستثمارية المتخصصة في الدولة، فكثيراً ما طرحت فكرة تعزيز الأمن الغذائي الوطني عبر استثمار هيئة الاستثمار الكويتية في المجال الزراعي في إفريقيا وشرق آسيا، وجعل الكويت مركزاً لنقل محاصيل معينة وتخزينها وتصنيعها في البلاد كمنتجات غذائية وإعادة تصديرها للعالم عبر إنشاء شركات صغيرة ومتوسطة الحجم مدعومة من الدولة.وعلى الدولة أيضاً أن تلعب دوراً في تخليق مشاريع في المجالات الصناعية والإلكترونية المهمة، لذا يجب أن يتم تخصيص جزء مميز من أي معرض للمبادرات الشبابية للمجالات الهندسية والتكنولوجية، والمفروض أن تقدم مكافآت مالية للشباب الذين يشاركون في تلك المجالات.بل يجب أن تبادر الجهات المعنية بالذهاب والبحث عن الشباب المهتمين بالأفكار العلمية، لتتبنى مشاريعهم، فهناك عشرات المشاريع التي يقدمها الشباب في الكليات الهندسية والعلمية في الجامعات الحكومية والخاصة، يقدمون فيها أفكاراً متعلقة بالتصنيع الهندسي وتدوير النفايات والبرمجيات والهندسة البيئية، والتي يمكن لمن يريد خلق بديل اقتصادي مرادف للثروة النفطية وواعد لمستقبل الكويت أن يستثمر في مواهبهم ومشاريعهم.