كان هدف خطاب أوباما من المكتب الرئاسي في البيت الأبيض مساء الأحد الماضي أن يطمئن الأمة بشأن حالة الحرب ضد "داعش"، لكنني أشك في أنه حقق الغاية منه لأن رسالته، التي جاءت بعيدة كل البعد عن الواقع، كانت تقول إن كل الأمور تسير في الاتجاه الصحيح، وأن لدينا خطة لإنزال الهزيمة بداعش وننفذها بدقة، كما أعلن: "سندمر داعش وأي منظمة أخرى تحاول إلحاق الأذى بنا".
ولكن ما هي تفاصيل هذه الإستراتيجية لتدمير داعش؟"تقضي الضربات الجوية في العراق وسورية على قادة داعش، وأسلحته الثقيلة، وناقلات نفطه، وبنيته التحتية، كذلك سنواصل تأمين التدريب والمعدات لعشرات آلاف المقاتلين في القوات العراقية والسورية بغية محاربة داعش على الأرض وتدمير ملاجئه الآمنة...نتعاون مع الأصدقاء والحلفاء لوقف عمليات داعش لإفشال خططه، وعرقلة تمويله، ومنعه من تجنيد المزيد من المقاتلين، كذلك بدأ المجتمع الدولي، بقيادة الولايات المتحدة، برسم عملية، وجدول زمني، للتوصل إلى وقف لإطلاق النار وحل سياسي للحرب في سورية".قد يبدو هذا مثيراً للاهتمام لأي شخص تقتصر معرفته عن هذه المسألة على ما قاله الرئيس مساء الأحد، لكن كل مَن يتابع الأخبار يدرك أن كل خطوط العمل هذه تبوء بالفشل.لا شك أن الولايات المتحدة تقصف داعش، إلا أن هذا الأخير يستبدل المقاتلين بالسرعة عينها التي نقتلهم بها، كذلك ينجح في تمويل عملياته رغم الضربات الجوية التي تستهدف بنية نفطه التحتية، ويعود ذلك إلى أن داعش يحصل على الجزء الأكبر من ماله من الضرائب التي يفرضها على الناس في المناطق التابعة له، وهذه عملية لا يمكننا وقفها من خلال الضربات الجوية وحدها.ولا شك أن الولايات المتحدة تدرب مقاتلين عراقيين وسوريين لمواجهة داعش، إلا أن المقاتلين الأكثر نجاحاً حتى اليوم يبقون الأكراد الذين يصبون كل اهتمامهم على استعادة المناطق الكردية فحسب، أما البرامج الواسعة النطاق، فتخفق في جذب المجندين الجدد في سورية لأن الولايات المتحدة تريد من كل مَن نساعده أن يتعهد بعدم محاربة بشار الأسد، الذي قتل حتى اليوم عدداً من الناس يفوق عدد ضحايا داعش، وفي العراق تعرقل الميليشيات المدعومة من إيران تدريب الولايات المتحدة القوى الأمنية ودعمها لها.ولا شك أن الولايات المتحدة تتعاون مع الحلفاء لتعوق عمليات داعش في الخارج، إلا أننا نستطيع أن نحكم على نجاح هذه العمليات من خلال السهولة التي يقتل بها محاربو داعش أعداداً كبيرة من الناس في شبه جزيرة سيناء، وباريس، وسان برناردينو، واليمن، وبيروت، وغيرها، ولعل الإخفاق الأكبر هو رفض تركيا منع دخول المجندين أو عجزها عن ذلك، علماً أن هؤلاء يواصلون التدفق بمعدل ألف تقريباً كل الشهر.ولا شك أن وزير الخارجية الأميركي جون كيري حدد في فيينا جدولاً زمنياً للتوصل إلى حل سياسي للحرب في سورية، لكن احتمال احترام هذا الجدول الزمني وتطبيقه يعادل إمكان ظهور رجال فضاء من المريخ في سماء سورية وقضائهم على داعش من صحونهم الطائرة، إذ تشير الوقائع إلى أن حل الحرب في سورية يبقى مستحيلاً ما دام الأسد في السلطة، إضافة إلى أن روسيا وإيران لم تعربا عن أي إشارات بشأن استعدادهما للتخلي عنه، في حين لا تبذل الولايات المتحدة أيضاً أي جهد للتخلص منه.لكل هذه الأسباب وغيرها، كما استخلص المجتمع الاستخباراتي الأميركي، تدل على أننا "لم نحتوِ" داعش، بخلاف ما ادعاه أوباما قبيل اعتداءات باريس، صحيح أن الرئيس الأميركي لم يكرر إعلاناته السخيفة عن تحقيق النجاح، غير أنه شدد بقوة على أن مقاربته فاعلة ورفض أي اقتراحات بشأن إنزال المزيد من الجنود على الأرض، مردداً حجته المحرَّفة المعتادة عن "أننا لن ننجر مجدداً إلى حرب برية طويلة ومكلفة في العراق وسورية" وأنه من الضروري "ألا نحتل أرضاً أجنبية".لكن أوباما، بالتزامه بإستراتيجية فاشلة، يخسر الحرب ضد داعش خصوصاً والجماعات الإرهابية عموماً، إلا أن هذا أمر يفهمه الشعب تلقائياً، حيث عارض أكثر من 60 في المئة ممن شاركوا في استطلاع للرأي طريقة تعاطي الرئيس مع داعش، في حين أيد 53 في المئة إنزال جنود على الأرض. ومن المؤكد أن الكلام المتفائل لن يقنع الشعب أن الحرب تسير في الاتجاه الصحيح، فالنتائج على الأرض وحدها قد تبدل وجهات النظر في الوطن، بيد أن هذه النتائج لا تزال غير ملائمة، إذا جاز التعبير، إذ تشير الأخبار الأخيرة إلى أن الهجوم العراقي على الرمادي توقف، وما عاد أحد يتحدث عن هجوم على الموصل، ولا شك أن هذه وقائع قاتمة تناساها أوباما مساء يوم الأحد. * ماكس بوت | Max Boot
مقالات
أوباما يخسر الحرب ضد «تنظيم الدولة»
11-12-2015